التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام

          ░37▒ بَابُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِحْصَانِهِمْ إِذَا زَنَوْا وَرُفِعُوا إِلَى الْإِمَامِ
          6840- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنِ أَبِي أَوْفَى السَّالفَ في بابِ رَجْم المُحْصَن مع مُتَابعاته [خ¦6813].
          6841- وحديثَ ابنِ عُمَرَ ☻ في رَجْمِ اليَهُودِيَّيْنِ السَّالفَ في الرَّجْم بالبَلَاطِ قريبًا [خ¦6819] وفي آخرِه: (رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ).
          كذا هو في الأصولِ بالحاء. وفي روايةٍ: <يَجْنأُ> بالجيم، وقد سلف ما فيه. قال الخطَّابيُّ: الأكثرُ بالجيمِ، أي يَميلُ عليها.
          وقد اختلفَ العلماءُ في إحصانِ أهلِ الذِّمَّة، فقالتْ طائفةٌ في الزَّوْجَيْنِ الكِتَابِيَّيْنِ يَزْنِيَانِ ويُرفَعَانِ إلينا: عليهما الرَّجْمُ وهما مُحْصَنانِ. هذا قولُ الزُّهْرِيِّ والشَّافِعيِّ. قال الطَّحاويُّ: ورُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أنَّ أهلَ الكِتابِ يُحصِنُ بعضُهم بعضًا، ويُحصِن المسلمُ النَّصْرانيَّةَ، ولا تُحصِنُهُ النَّصْرانيَّةُ. واحتجَّ الشَّافِعيُّ بحديثِ البابِ وقال: إنَّما رجمَهما لأنَّهما كانا مُحْصَنَيْنِ. وقال النَّخَعِيُّ: لا يكونانِ مُحْصَنَين حتَّى يُجامِعا بعد الإسلام، وهو قولُ مالكٍ والكوفيِّينَ وقالوا: الإسلامُ مِن شَرْطِ الإحصانِ.
          وقالوا في حديثِ البابِ: إنَّما رجمَهُما بحُكْمِ التَّوراةِ حين سألَ الأحبارَ عن ذلك، إنَّما كان مِن تنفيذِ الحُكْمِ عليهم لكتابهم التَّوراة وكان ذلك أوَّلَ دخولِه ╕ المدينة، ثمَّ نزل عليه القرآنُ بعدَ ذلك الَّذي نُسِخَ خطُّه وبَقِيَ حُكْمُه بالرَّجْمِ لمن زنى، فليس رجمُهُ لهم مِن بابِ إحصانِ الإسلامِ في شيءٍ، وإنَّما هو مِن بابِ تنفيذِ الحكم عليهم بالتَّوراِة، وكان حكمُها الرَّجْمَ على مَن أُحْصِن ومَن لم يُحْصَن، وكان على الشَّارع اتِّباعُه والعملُ به؛ لأنِّ على كلِّ نبيٍّ اتِّباعَ شريعةِ النَّبِيِّ الَّذي قَبْلَه حتَّى يُحدِث اللهُ له شريعةً تَنسخُها، فرجمهما على ذلك الحكم، ثمَّ نَسَخَ الله ذلك بقولِه: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلى قولِه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} الآية [النساء:15] فكان هذا ناسخًا لِمَا قَبْلَهُ ولم يفرِّق في ذلك بين المُحْصَنِ ولا غيرِه، ثمَّ نُسِخَ ذلك بالآيةِ الَّتي بعدَها، ثمَّ جعلَ الله لهنَّ سبيلًا فقال ╕: ((خُذُوا عني)) الحديث، ففرَّقَ حينئذٍ بين حدِّ المُحْصَن وغيرِه. وهذا قول الطَّحاويِّ. ونَزَلَ بعد ذلك على رسولِ الله صلعم: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] فلم يحكُمْ بعدَ هذه الآية بين أهلِ الكتاب إذا تَحَاكموا إليه إلَّا بالقرآن. /
          إلَّا أنَّ العلماءَ اختلفُوا في وجوبِ الحُكْمِ بين أهلِ الذِّمَّةِ على ما أسلفْناه، فرُوِيَ التَّخييرُ فيه عن ابنِ عَبَّاسٍ وعَطَاءٍ والشَّعْبِيِّ والنَّخَعِيِّ، وهو قولُ مالكٍ وأحدُ قولَيِ الشَّافِعيِّ، وجعلوا قولَه تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] مُحْكَمةً غيرَ منسوخةٍ. وقال آخرون: إنَّه واجبٌ، وجعلوا قولَه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49] ناسخةً للتَّخيير، رُوِيَ عن مُجَاهِدٍ وعِكْرِمَة وبه قال أبو حَنيفَةَ وأصحابُه وهو الأظهرُ مِن قولَيِ الشَّافِعيِّ. وتأوَّلَ الأوَّلونَ قولَه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} إنْ حكمتَ كما سلفَ واضحًا، وما أسلفناه أنَّ ذلك كان أوَّلَ دخولِه المدينةَ هو ما في «كتاب ابن بطَّالٍ» والَّذي في السِّيرِ أنَّ ذلك كان في السَّنَةِ الرَّابعةِ.
          فرعٌ: قال ابنُ التِّين: إذا زنى اليومَ أحدٌ مِن أهلِ الذِّمَّة مُكِّن أهلُ الذِّمَّة منه، فإن شاؤوا رجْمَهُ رجموهُ ما لم يكنْ عبدًا أو أمَةً لمسلمٍ، وقد اختُلف إذا زنى مُسلمٌ بذِميَّةٍ فقال ابن القاسم: تُردُّ إلى أهلِ دِينِها وقال أشهبُ: ليس لهم رجمُها لأنَّه ╕ إنَّما رجمَهُمَا قبْلَ أن يكونَ لهم ذِمَّةٌ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (نَفْضَحُهُمْ) أي نكشفُ مساوِئَهم، يُقال فَضَحَهُ فافتَضَحَ.