التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب نفي أهل المعاصي والمخنثين

          ░33▒ بَابُ نَفْيِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَنَّثِينَ
          6834- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنَ عَبَّاسٍ ☻: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلعم الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ). وَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلعم فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا.
          وقد سلف في اللِّباس [خ¦5885] وذُكِرَ هنا ليعرِّفَكَ أنَّ التَّغريبَ واجبٌ على الزَّاني؛ لأنَّه ╕ لَمَّا نَفَى مَن أتى مِن المعاصي ما لا حدَّ فيه فنفْيُ مَن أَتَى ما فيه الحدُّ أوجبُ في النَّظَرِ، لو لم يكنْ في نَفْيِ الزَّاني سُنَّةٌ ثابتةٌ لَتَبَيَّنَ خطأُ أبي حَنيفَةَ في القِياس، وذَكَرَ في الإِشخاصِ والملازمةِ والأحكام في مِثْلِ هذه التَّرجمةِ حديثَ أبي هُرَيْرَةَ ☺ في تحريقِ بيوتِ المتخلِّفينَ عن الصَّلاة معه.
          ولَعْنُ الشَّارعِ ما ذَكَرَهُ هنا وأَمْرُهُ بإخراجِهم يدلُّ على أنَّه يُنفَى كلُّ مَن خُشِيتْ منه فتنةٌ على النَّاسِ في دينٍ أو دُنيا، وهذا الحديثُ أصلٌ لِذلك.
          فَصْلٌ: المخنّثُ بكسْرِ النُّونِ وفتْحِها مأخوذٌ مِن خَنِث الشَّيءُ يَخْنِثُ إذا عَطَفْتُهُ فَتَعَطَّفَ، وهو المتَشبَّهُ في كلامِهِ بالنِّساء تكسُّرًا وتعطُّفًا.
          (وَالمُتَرَجِّلَاتِ) المُتَشبِّهَاتُ بالرِّجالِ في كلامِهم وهيئتِهم.
          والمخنَّثُ إذا كان يُؤتَى يُرجَمُ مع الفاعلِ أُحصِنَا أو لم يُحْصَنا عند مالكٍ، وقال الشَّافِعيُّ: إنْ كانَ غيرَ مُحْصَنٍ فعليه الجَلْدُ. / وكذا عندَ مالِكٍ إنْ كانا كافرَيْنِ أو عبدَين. وقال أشهبُ في العبدَينِ: يُحدَّان حدَّ الزِّنا خمسينَ خمسين، وفي الكافرين: يؤدَّبان ويُرفعانِ إلى أهل دينِهما، قاله ابن شعبانَ. زاد: ومِن النَّاسِ مَن يَرقَى بالمرجوم على رأسِ جَبَلٍ ثمَّ يرميه منكوسًا ثم يُتبِعُه بالحِجارة، وهو نوعٌ مِن الرَّجْمِ وفِعلُه جائزٌ.
          وقال أبو حَنيفَةَ: لا حدَّ فيه إنَّما فيه التَّعزير. وهذا الفعل ليس عندَهم بزنا، ورأيتُ عندَهم أنَّ محلَّ ذلك ما إذا لم يتكرَّرْ فإنْ تكرَّرَ قُتِلَ، وحديثُ: ((ارجُموا الفاعلَ والمفعولَ به)) متكلَّمٌ فيه، وإنْ كان لم يُشترَطْ فيه إحصانُهما وليس على شَرْطِه.
          وقال بعضُ أهلِ الظَّاهر: لا شيءَ على مَن فعَلَ هذا الصَّنيعَ، وهو مِن عَجَبِ العُجاب، وَلَمَّا حكاه الخطَّابيُّ في «معالمه» قال: إنَّه أبعدُ الأقاويل مِن الصَّواب وأَدْعاها إلى إغراءِ الفُجَّار به وتهوينِ ذلك في أعينِهم، وهو قولٌ مرغوبٌ عنه.
          فائدةٌ: قال بعضُ العلماء: لا يُنفَى إلَّا ثلاثةٌ: بِكْرٌ ومَخنَّثٌ ومَحارِبٌ.
          فَصْلٌ يعود على ما استنبطناه مِن النَّفْيِ للمخنَّثِ: ذَكَرَ الهَرَويُّ أنَّ عُرْوَةَ قال للحَجَّاج: يا ابنَ الْمُتَمَنِّيَةِ، أراد أمَّه وهي فُرَيعةُ بنتُ الهمَّام، وكانت تحتَ المغيرةِ بنِ شُعْبَةَ، وهي القائلةُ فيما قيل:
أَلَا سَبِيلٌ إلى خَمْرٍ فأَشْرَبَها                     أَلَا سَبِيلٌ إلى نَصْرِ بن حَجَّاجِ
          وكان نَصْرٌ رجلًا مِن بني سُلَيمٍ رائعَ الجَمالِ تُفتَنُ به النِّساء، فمرَّ عُمَرُ بن الخطَّاب بهذه المرأةِ وهي تُنشدُ هذا البيت فَدَعا بِنَصْرٍ فسيَّرَهُ إلى البصرة.