شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا ادعت المرأة ابنًا

          ░30▒ باب: إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (كَانَتِ امْرَأَتَانِ وَمَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، قَالَتِ الأخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إلى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا على سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى).
          قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلَّا يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةَ. [خ¦6769]
          أجمع العلماء أنَّ الأمَّ لا تستلحق أحدًا؛ لأنَّها لو استلحقت ألحقت بالزوج ما ينكره والله تعالى يقول: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا}[الأنعام:164]وإنَّما يمكن أن تلحق الولد بالزوج إذا أقامت البيِّنة أنَّها ولدته وهي زوجته في عصمته، فإنَّ الولد للفراش.
          وفائدة هذا الحديث أنَّ المرأة إذا قالت هذا ابني ولم ينازعها فيه أحدٌ ولم يعرف له أبٌ فإنَّه يكون ولدها، ترثه ويرثها ويرثه إخوته لأمِّه؛ لأنَّ هذه المرأة التي قضي لها بالولد في هذا الحديث إنَّما حصل لها ابنًا مع تسليم المرأة المنازعة لها فيه.
          وفيه من الفقه: أنَّ من أتى من المتنازعين بما يشبه فالقول قوله؛ لأنَّ سليمان جعل شفقتها عليه شبهة مع دعواها.
          وفيه: أنَّه جائزٌ للعالم مخالفة غيره من العلماء وإن كانوا أسنَّ منه وأفضل إذا رأى الحقَّ في خلاف قولهم.
          ويشهد لهذا قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الآية[الأنبياء:78]فإنَّه تعالى: أثنى على سليمان بعلمه، وعذر داود باجتهاده ولم يُخلِه من العلم.
          وسيأتي الاختلاف في هل كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ أو الحقُّ في واحدٍ من أقاويل العلماء في كتاب الاعتصام أنَّ شاء الله تعالى. [خ¦7352]