شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ميراث الجد مع الأب والإخوة

          ░9▒ باب: مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الأبِ وَالإخْوَةِ
          وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَدُّ أَبٌ.
          وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَا بَنِي آدَمَ}[الأعراف:26]، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}[يوسف:38].
          وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ في زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ النَّبيِّ صلعم مُتَوَافِرُونَ.
          وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابْنُ ابْنِي دُونَ إِخْوَتِي، وَلا أَرِثُ(1) ابْنَ ابْنِي دُونَ إِخْوَتِهِ.
          وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قال: النَّبِيُّ صلعم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). [خ¦6737]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الذي(2) قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ خَلِيلًا لاتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإسْلامِ أَفْضَلُ)، أَوْ قَالَ: (خَيْرٌ)، فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا أَوْ قَضَاهُ أَبًا. [خ¦6738]
          أجمع العلماء على أنَّ الجدَّ لا يرث مع الأب، وأنَّ الأب يحجبُ أباه، واختلفوا في ميراث الجدِّ مع الإخوة للأب والأمِّ أو للأب، فكان أبو بكر الصدِّيق وابن عبَّاسٍ وابن الزبير وعائشة ومُعاذ بن جبلٍ وأبيِّ بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة يقولون: الجدُّ أب عند عدم الأب كالأب سواءٌ يحجبون به الإخوة كلِّهم، ولا يورثون مع الجدِّ / أحدًا من الإخوة شيئًا، وقاله عطاءٌ وطاوسٌ والحسن وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثورٍ وإسحاق.
          وذهب عليُّ بن أبي طالبٍ وزيد بن ثابتٍ وابن مسعودٍ إلى توريث الإخوة مع الجدِّ إلَّا أنَّهم اختلفوا في كيفيَّة ميراثهم معه كان معهم ذو فرضٍ مسمَّى أم لا.
          فذهب زيدٌ إلى أنَّه لا ينقص الجدُّ من الثلث مع الإخوة للأب والأمِّ أو للأب إلَّا مع ذوي الفروض، فإنَّه لا ينقصه معهم من السدس شيئًا، وهو(3) قول مالكٍ والثوريِّ والأوزاعيِّ وأبي يوسف ومحمَّدٍ والشافعيِّ.
          وقد روي عن ابن مسعودٍ مثل قول عليٍّ، وكان عليٌّ يشرك بين الجدِّ والإخوة ولا ينقصه من السدس شيئًا مع ذوي الفروض وغيرهم وهو قول ابن أبي ليلى وطائفةٍ.
          واختلف عن ابن مسعودٍ فروي عنه مثل قول زيدٍ.
          والحجَّة لقول الصدِّيق ☺ قوله تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج:78]فسمَّاه أبًا وهو جدٌّ، وقال تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ}[يوسف:38]فسمَّى إبراهيم أبًا وهو جدٌّ له وكذلك إسحاق جدٌّ له(4).
          وقال النبيُّ صلعم: ((أنا ابن عبد المطلِّب)) وإنَّما هو ابن ابنه، وأجمع العلماء أنَّ حكم الجدِّ حكم الأب في غير موضعٍ، من ذلك إجماعهم أنَّ الجدَّ يحجب الإخوة من الأمِّ كما حجبهم الأب.
          فالقياس أن يحجب الإخوة للأب والأمِّ إذا كان أبًا كما حجب الإخوة للأمِّ.
          وأجمعوا أنَّ الجدَّ يضرب مع أصحاب الفرائض بالسدس كما يضرب الأب، وإن عالت الفريضة، وللأب مع ابن الابن السدس، وكذلك الجدُّ له معه(5) مثل ما للأب.
          وقال تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء:11]ومن المحال أن يكون له ولدٌ ولا يكون له والدًا.
          واحتجُّوا بقوله صلعم: (وَمَا بَقِيَ فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) لأنَّ رجلًا لو توفِّي وترك بنتًا أو ابنتين وجَدًّا وإخوةً فألحقنا البنت أو البنتين بفرائضهنَّ وكان ما بقي للجدِّ وهو أولى(6) ذكر بقي.
          واحتجَّ من ورَّث الأخ مع الجدِّ بهذا الحديث، أيضًا(7) فقالوا: الأخ أولى؛ لأنَّه أقرب إلى الميِّت بدليل أنَّه ينفرد بالولاء لقربه، وأيضًا فإنَّ الأخ يقول أنا أقوى من الجدِّ؛ لأنِّي أقوم مقام الولد في حجب الأمِّ من الثلث إلى السدس، وليس كذلك الجدُّ فوجب ألَّا يحجبني كما لا يحجب الولد، والجدُّ إنَّما يُدلى بالميِّت وهو أبو أبيه، والأخ يدلى بالميِّت وهو ابن أبيه، والابن من جهة المواريث أقوى من الأب؛ لأنَّ الابن ينفرد بالمال ويردُّه إلى السدس، والأب لا يفعل ذلك بالابن، فكان من أدلى بالأقوى أولى ممَّن أدلى بالأضعف.


[1] زاد في (ص): ((أنا)).
[2] قوله: ((أما الذي)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((وهذا)).
[4] في (ص): ((إبراهيم وإسحاق فسماهما آباء وهم جدود له)).
[5] في (ص): ((وكذلك للجد معه)).
[6] زاد في (ص): ((رجل)).
[7] في (ص): ((وأيضًا)).