شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط

          ░19▒ باب: الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ
          وَقَالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتِ: (اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: اشْتَرِيهَا فَإِنَّ الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ). قَالَ الْحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ. [خ¦6751]
          وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا.
          وفيه: ابْنُ عُمَر قَالَ صلعم: (الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ). [خ¦6752]
          ذهب مالكٌ والثوريُّ والأوزاعيُّ والشافعيُّ وأحمد وأبو ثورٍ إلى أنَّ اللقيط حرٌّ وولاؤه لجماعة المسلمين.
          وفيها قولٌ آخر روي عن عُمَر بن الخطَّاب أنَّه قال: ولاءه(1) للذي التقطه، وعن شريحٍ مثله، وبه قال إسحاق بن راهويه.
          وفيها قولٌ آخر روي عن عليِّ بن أبي طالبٍ: أنَّ المنبوذ حرٌّ فإن أحبَّ أن يوالي الذي التقطه والاه، وإن أحب أن يوالي غيره والاه.
          وبهذا قال عطاءٌ وابن شهابٍ، وقال أبو حنيفة: له أن ينتقل بولائه حيث شاء لمن يعقل عنه الذي والاه جنايةً، فإن عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه عنه ويرثه.
          واحتجَّ إسحاق بحديث سفيان أبي جميلة عن عمر أنَّه قال له في المنبوذ: اذهب فهو حرٌّ ولك ولاؤه. وقال(2) ابن المنذر: أبو جميلة مجهولٌ لا يعرف له خبرٌ غير هذا الحديث. وحمل أهل المقالة الأولى قول عمر: لك ولاؤه، أي أنت الذي تتولَّى تربيته والقيام بأمره، وهذه ولاية الإسلام لا ولاية العتق.
          واحتجُّوا بقوله صلعم: (الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ)، وهذا ينفي أن يكون الولاء للملتقط؛ لأنَّ أصل الناس الحريَّة، وليس يخلو اللقيط من أحد أمرين إمَّا أن يكون حرًّا فلا رقَّ عليه، أو يكون ابن أمة قومٍ فليس لمن التقطه أن يسترقَّه، وبهذا كتب عُمَر بن عبد العزيز. وقد بيَّن(3) الله آية المواريث وسمَّى الوارثين، فدلَّ أنَّه لا وارث غير من ذكر الله تعالى في كتابه، ولو كانت الموالاة ممَّا يتوارث بها وجب إذا ثبتت ألَّا يجوز نقلها إلى غير من ثبتت له؛ فلمَّا قالوا إنَّه إذا والى غيره قبل أن يعقل عنه ثمَّ والى غيره وعقل عنه كان الذي عقل عنه علم أنَّ الموالاة لا يجوز أن يتوارث بها، وقال صلعم: ((كلُّ شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطلٌ)).


[1] في (ص): ((عمر بن الخطاب أن ولاءه)).
[2] في (ص): ((قال)).
[3] في (ص): ((نزل)).