شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من ادعى أخًا أو ابن أخ

          ░28▒ باب: مَنِ ادَّعَى أَخًا أَوِ ابْنَ أَخٍ
          فيه: عَائِشَةُ: اخْتَصَمَ سَعْدُ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ في غُلامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ(1): ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إلى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ على فِرَاشِ أبي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم إلى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ)، قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ(2) سَوْدَةَ قَطُّ. [خ¦6765]
          قد تقدَّم أنَّه لا يجوز استلحاق غير الأب، واختلف العلماء إذا مات رجلٌ(3) وخلَّف ابنًا أوحدًا(4) لا وارث له غيره وأقرَّ(5) بأخٍ فقال ابن القصَّار: فعند مالكٍ والكوفيِّين لا يثبت نسبه. وقال الشافعيُّ: يثبت نسبه. واحتجَّ بأنَّ الوارث قام مقام الميِّت فصار إقراره كإقرار الميِّت نفسه في حال حياته، ألا ترى أنَّ النبيَّ صلعم ألحق الولد بزمعة بدعوى عبدٍ وإقراره وحده.
          واحتجَّ أهل المقالة الأولى بأنَّ الميِّت يعترف على نفسه والوارث يعترف على غيره، وحكم إقرار الإنسان على نفسه آكد من إقراره على غيره، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر وإقراره بنسب في حقِّ غيره ليس هو بأكثر من شهادته له، فلو شهد واحدٌ بنسبٍ يثبت على غيره لم تقبل شهادته، فكذلك إقراره على غيره بالنسب أولى ألَّا يثبت، ولا يلزم(6) على هذا إذا كان الورثة جماعةً فأقرُّوا به أو أقرَّ اثنان منهم كانوا عدلين؛ لأنَّ النسب يثبت بشهادة اثنين وبالجماعة في حقِّ الغير الذي هو أبوهم.
          ويقال للشافعيِّ حكم النبيِّ(7) صلعم في قصَّة ابن زَمْعَة لم يكن من أجل الدعوى؛ وإنَّما كان من أجل علمه بالفراش، كما حدَّ النبيُّ صلعم العسيف بقول أبيه؛ لأنَّ ذلك دليلٌ على أنَّ ابنه كان مقرًّا قبل ادعاء أبيه عليه ولولا ذلك ما حدَّ بمجرد دعوى أبيه عليه.


[1] في (ص): ((يارسول الله هذا)).
[2] في (ص): ((تره)).
[3] في (ص): ((الرجل)).
[4] في (ص): ((واحدًا)).
[5] في (ص): ((فأقر)).
[6] قوله: ((لا يلزم)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((ويقال للنبي)).