شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الولد للفراش حرة كانت أو أمة

          ░18▒ باب: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ(1) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً
          فيه: عَائِشَةُ: (كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إلى أَخِيهِ سَعْدٍ بْنِ أبي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ: ابْنُ وَلِيدَةِ أبي، وُلِدَ على فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إلى النَّبيِّ صلعم فَقَالَ النَّبيُّ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: احْتَجِبِي مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ). [خ¦6749]
          وفيه: أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ). [خ¦6750]
          عند جمهور العلماء أنَّ الحرَّة تكون فراشًا بإمكان الوطء ويلحق الولد في مدَّةٍ تلد في مثلها، وأقلُّ ذلك ستَّة أشهرٍ.
          وشذَّ أبو حنيفة فقال: إذا طلَّقها عقيب(2) النكاح من غير إمكان وطء فأتت بولدٍ لستَّة أشهرٍ من وقت العقد لحق به، واحتجَّ أصحابه بقوله ◙: (الوَلَدُ لِلفِرَاشِ) وقالوا: هذا الاسم كنايةً عن الزوج.
          وقال جريرٌ:
بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشُها                     خَلِقَ العَباءَةِ فِي الدِّمَاءِ قَتِيلا
          يعني زوجها، هكذا أنشده أبو عليٍّ الفارسيُّ، فإذا كان الفراش الزوج، فإنَّه يقتضي إذا تزوَّج امرأةً وجاءت بولدٍ لستَّة أشهرٍ أنَّ نسب الولد يثبت ولا معتبر بإمكان الوطء وإنَّما المعتبر وجود الفراش.
          والحجَّة للجمهور أنَّ الفراش وإن كان يقع على الزوج فإنَّه يقع على الزوجة أيضًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما فراشٌ لصاحبه(3)، حكى ابن الأعرابيِّ أنَّ الفراش عند العرب يُعبَّر به عن الزوج وعن المرأة، وهي الفراش المعروف، فمن ادَّعى أنَّ المراد به الرجل دون المرأة فعليه الدليل.
          والفراش في هذا الحديث إنَّما هو كنايةٌ عن حالة الافتراش والمرأة مشبَّهةٌ بالفراش؛ لأنَّها تفترش، فكأنَّ النبيَّ صلعم أعلمنا أنَّ الولد لهذه الحال التي فيها الافتراش، فمتى لم يمكن حصول هذه الحال لم يلحق الولد، فمعنى قوله: (الوَلَدُ لِلفِرَاشِ) أي لصاحب الفراش.
          وما ذهب إليه أبو حنيفة خلاف ما أجرى الله سبحانه به العادة من أنَّ الولد إنَّما يكون من ماء الرجل وماء المرأة، كما أجرى الله تعالى العادة أنَّ المرأة لا تحمل وتضع في أقلَّ من ستَّة أشهرٍ، فمتى وضعته لأقلَّ من ستَّة أشهرٍ(4) لم يلحق به؛ لأنَّها وضعته لمدَّةٍ لا يمكن أن يكون فيها(5)، وأمَّا الأمة عند مالكٍ والشافعيِّ فإنَّها تصير فراشًا لسيِّدها بوطئه لها أو بإقراره أنَّه وطئها(6) وبهذا حكم عُمَر بن الخطَّاب، وهو قول ابن عمر، فمتى أتت بولدٍ لستَّة أشهرٍ من يوم وطئها ثبت نسبه منه، وصارت به أمَّ ولدٍ له، وله أن ينفيه إذا ادَّعى الاستبراء، ولا تكون فراشًا بنفس الملك دون الوطء عند مالكٍ والشافعيِّ.
          وقال أبو حنيفة: لا تكون فراشًا بالوطء ولا بالإقرار بالوطء أصلًا، فلو وطئها مائة سنةٍ أو أقرَّ(7) / بوطئها فأتت بولدٍ لم يلحقه وكان مملوكًا له وأمةً مملوكةً، وإنَّما يلحقه ولدها إذا أقرَّ به، وله أن ينفيه بمجرَّد قوله، ولا يحتاج أن تدَّعي استبراءً.
          وذكر الطحاويُّ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه كان يطأ جاريةً له فحملت فقال: ليس الولد منِّي إنِّي أتيتها إتيانًا لا أريد به الولد، وعن زيد بن ثابتٍ مثله.
          وقولهم خلافٌ لحديث ابن وليدة زَمْعَة؛ لأنَّ ابن زَمْعَة قال: هذا أخي، ولد على فراش أبي، فأقرَّه النبيُّ صلعم ولم يقل الأمة لا تكون فراشًا، ثمَّ قال صلعم: (الوَلَدُ لِلفِرَاشِ)، وهذا خطابٌ خرج على هذا السبب، وقد تقدَّم أنَّ الفراش كني به عن الافتراش الذي هو الوطىء، وقد(8) حصل في الأمة فوجب أن يلحق به الولد، وأيضًا فإنَّ العاهر لمَّا حصل له الحجر دلَّ على أنَّ غير العاهر بخلافه، وأنَّ النسب له، ألا تراه في الموضع الذي يكون عاهرًا تستوي فيه الحرَّة والأمة فوجب أن يستوي حالهما في الموضع الذي يكون ليس بعاهرٍ.
          ومن أطرف شيءٍ أنَّهم يجعلون نفس العقد في الحرَّة فراشًا ولم يرد فيه(9) خبرٌ، ولا يجعلون الوطء في الإماء فراشًا وفيه ورد الخبر، فيشكُّون في الأصل ويقطعون على الفرع.


[1] زاد في (ص): ((وللعاهر الحجر)).
[2] زاد في (ص): ((عقد)).
[3] في (ص): ((صاحبه)).
[4] قوله: ((فمتى وضعته لأقل من ستة أشهر)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((في مثلها)).
[6] في (ص): ((بإقراره بوطئها)).
[7] في (ص):((وأقر)).
[8] في (ص): ((قد)).
[9] في (ص): ((به)).