شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ميراث الملاعنة

          ░17▒ باب: مِيرَاثِ الْمُلاعَنَةِ
          فيه: ابْنُ عُمَر: (أَنَّ رَجُلًا لاعَنَ امْرَأَتَهُ في زَمَنِ النَّبيِّ صلعم وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ النَّبيُّ صلعم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ). [خ¦6748]
          قال ابن المنذر: لمَّا ألحق النبيُّ صلعم ابن الملاعنة بأمِّه ونفاه عن أبيه ثبت ألَّا عصبة له ولا وارث من قبل أبيه.
          قال غيره: فإذا توفِّي ابن الملاعنة فلا يرثه إلَّا أمُّه وإخوته لأمِّه خاصَّةً، فإن فضل من المال شيءٌ كان لموالي أمِّه إن كانت معتقةً(1)، وكذلك لو كانت وحدها أخذت الثلث وما بقي لمواليها ولا يكون لبيت المال شيءٌ، وإن كانت عربيَّةً فالفاضل لبيت مال المسلمين، هذا قول زيد بن ثابتٍ، وبه قال سعيد بن المسيِّب والزهريُّ ومالكٌ والأوزاعيُّ والشافعيُّ وأبو ثورٍ.
          وروي عن عليٍّ وابن مسعودٍ أنَّ ما بقي يكون لعصبة أمِّه إذا لم يخلِّف ذا رحمٍ له سهمٌ، فإن خلَّف ذا رحمٍ له سهمٌ جعل فاضل المال ردًّا عليه.
          وحكي عن عليٍّ أيضًا(2): أنَّه ورَّث ذوي الأرحام برحمهم ولا شيء لبيت المال، وإليه ذهب / أبو حنيفة وأصحابه، ومن قال(3) بالردِّ يردُّ الباقي على أمِّه.
          وجعل ابن مسعودٍ عصبته أمَّه، فإن لم تكن الأمُّ فعصبتها هم عصبة ولدها، وإليه ذهب الثوريُّ.
          وهذا الاختلاف إنَّما قام من قوله ◙: (وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ) لأنَّه لمَّا ألحقه بها قطع نسب أبيه(4) فصار كمن لا أب له من أولاد الغيِّ الذين لم يختلف أنَّ المسلمين عصبتهم؛ إذ لا تكون العصبة من قبل الأمِّ، وإنَّما تكون من قبل الأب.
          ومن قال معنى قوله: (أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ) أي أقامها مقام أبيه، فهؤلاء جعلوا عصبة أمِّه عصبةً له، وهو قول الثوريِّ وأحمد بن حنبلٍ.
          واحتجُّوا بالحديث الذي جاء أنَّ الملاعنة بمنزلة أبيه وأمِّه، وليس فيه حجَّةٌ؛ لأنَّها إنَّما هي بمنزلة أبيه وأمِّه في تأديبه وما أشبه ذلك ممَّا يتولَّاه أبوه، فأمَّا الميراث فلا؛ لأنَّهم أجمعوا أنَّ ابن الملاعنة لو ترك أمَّه وأباه كان لأمِّه السدس ولأبيه ما بقي، فلو كانت بمنزلة أبيه وأمِّه في الميراث لورثت سدسين سدسًا بالأبوَّة وسدسًا بالأمومة.
          وأبو حنيفة جعل الأمَّ كالأب فردَّ عليها ما بقي؛ لأنَّها أقرب الأرحام إليه، وقول أهل المدينة أولى بالصواب؛ لأنَّه معلومٌ أنَّ العصبات من قبل الآباء، ومن أدلى بمن لا تعصيب له لم يكن له تعصيبٌ.


[1] زاد في (ص): ((لقوم)).
[2] في (ص): ((أيضًا عن علي)).
[3] زاد في (ص): ((سهمهم)).
[4] في (ص): ((نسبه من أبيه)).