شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ميراث البنات
  
              

          ░6▒ باب: مِيرَاثِ الْبَنَاتِ
          فيه: سَعْدٌ قَالَ: (مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ على الْمَوْتِ، فَأَتَانِي النَّبيُّ صلعم يَعُودُنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لي مَالًا كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَتِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا) الحديث. [خ¦6733]
          وفيه: الأسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ: أَتَانَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ، فَأَعْطَى الابْنَةَ النِّصْفَ وَالأخْتَ النِّصْفَ. [خ¦6734]
          أجمع العلماء أنَّ ميراث الابنة النصف لقوله ╡: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}[النساء:11].
          وأجمعوا أنَّ للأخت النصف لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}[النساء:176]فجعلها كالابنة.
          فإن قيل: إن الله تعالى نص على الأختين أن لهما الثلثين بقوله تعالى: {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}[النساء:176]ولم ينص على الابنتين، إنما ذكر أكثر من اثنتين.
          قيل: لمَّا أعطى الله للابنة النصف وللأخت النصف، ونصَّ على الأختين أنَّ لهما الثلثين فاستغني بذكر الأختين عن ذكر البنتين؛ لأنَّه لمَّا كانت الواحدة كالبنت كانت البنتان كالأختين بل البنتان أحرى بذلك لقربهما، وأنَّ البنات يُقدَّمن على الأخوات في مواضع شتَّى، فاستحال أن تكون الأختان أكثر ميراثًا من البنتين.
          وأمَّا قول سعدٍ: (إنَّهُ لَا يَرثُني إلَّا ابنةٌ لِي) كأنَّه أراد أن يعطي من ماله ما فضل عن ميراث ابنته فأعلمه صلعم أنَّه لا يجوز لمعطٍ أن يعطي من ماله بعد موته أكثر من ثلثه كان له من يحيط بماله أم لا.
          وهذه حجَّةٌ لزيد بن ثابتٍ في قوله(1): بيت المال عصبة من لا عصبة له. وهو قول مالكٍ والشافعيِّ، وهو خلاف مذهب أهل الردِّ.
          وأمَّا قوله صلعم: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ) بعد قول سعدٍ: (إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي)، فدلَّ فحوى قوله أنَّ سعدًا لا يموت حتَّى يكون له ورثةٌ جماعةٌ، وأنَّه لا يموت من علَّته تلك، فكان كما دلَّ عليه فحوى خطابه ولم يمت سعدٌ إلَّا عن بنين عدَّةٍ(2)، كلُّهم وُلِدَ بعد ذلك المرض، وهذا من أعلام نبوَّته صلعم.

[1] زاد في (ص): ((إن)).
[2] في (ص): ((عدد)).