شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج

          ░15▒ باب: ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لأمٍّ وَالآخَرُ زَوْجٌ
          وقَالَ(1) عَلِيٌّ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلأخِ للأمِّ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصفَانِ(2).
          فيه: أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كلًاّ(3) أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلأُدْعَى لَهُ) الْكَلُّ: الْعِيَالُ. [خ¦6745]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). [خ¦6746]
          مثال هذه المسألة امرأةٌ لها ابنا عمٍّ أحدهما أخوها لأمِّها والثاني زوجها، اختلف العلماء فيها فقال كقول عليِّ بن أبي طالبٍ زيدُ بن ثابتٍ، وهو قول المدنيِّين والثوريِّ وأحمد وإسحاق.
          وقال عمر وابن مسعودٍ: جميع المال للذي جمع القرابتين، لأنَّهما قالا في ابني عمٍّ أحدهما أخٌ لأمٍّ أنَّ الأخ للأمِّ أحقُّ بالمال، له السدس بالفرض وباقي المال بالتعصيب، وهو قول الحسن البصريِّ، وإليه ذهب أبو ثورٍ وأهل الظاهر، واحتجُّوا بالإجماع في أخوين أحدهما لأبٍ وأمٍّ والآخر لأبٍ أنَّ المال للأخ من الأب(4) والأمِّ؛ لأنَّه أقرب بالأمِّ(5)، فكذلك ابنا عمٍّ إذا كان أحدهما أخًا لأمٍّ فالمال له قياسًا على ما أجمعوا عليه من الأخوين. عن ابن المنذر.
          وحجَّة أهل المقالة الأولى أنَّ أحدهما منفردٌ(6) بكونه أخًا لأمٍّ فوجب أن يأخذ نصيبه ثمَّ يساوى بينه وبين من يُشاركه في قرابته ويساويه في درجته.
          وإلى هذا ذهب البخاريُّ واستدل عليه بقوله صلعم: (فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ) وهم بنو العمِّ.
          وكذلك قال أهل التأويل في قوله تعالى: / {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي}[مريم:5]أنَّهم بنو العمِّ فسوَّى بينهم صلعم في الميراث ولم يجعل بعضهم أولى من بعضٍ، وكذلك قوله صلعم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا) أي أعطوا الزوج فريضته (وَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ).
          ولمَّا لم يكن الزوج أولى من ابن عمِّه الذي هو أخٌ لأمٍّ إذ هو في قُعدُده اقتسما ما بقي؛ لأنَّه ليس بأولى منه فينفرد بالمال.
          فإن احتجُّوا بقوله صلعم: (فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) فهو دليلنا والباقي بعد السدس قد استوى تعصيبهما(7) فيه إذ وجد في كلِّ واحدٍ منهما الذكوريَّة والتعصيب، وقد أجمعوا في ثلاثة إخوةٍ للأمِّ أحدهم ابن عمٍّ أنَّ للثلاثة الإخوة الثلث والباقي لابن العمِّ، ومعلومٌ أنَّ ابن العمِّ قد اجتمعت فيه القرابتان.
          وقوله: (فَلأُدْعَى لَهُ)إعرابها: فلأدعَ له؛ لأنَّها لام الأمر والأغلب من أمرها إذا اتَّصل بها واو أو فاء الإسكان، ويجوز كسرها وهو الأصل في لام الأمر أن تكون مكسورةً كقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29]بكسر اللام وإسكانها وثبات الألف بعد العين في موضع الجزم والوقف يجوز تشبيهًا لها بالياء والواو أحدهما كما قال:
أَلَم يَأتِيكَ وَالأَنبَاءُ تَنمِي
          وكما قال:
لَم يَهجُو وَلَم يَدَعِ
          وقال في الألف:
إِذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّق                     وَلَا تَرضَّاهَا وَلَا تَمَلِّقِ
          وكما قال:
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيخة عَبْشَمِيَّة                     كأَنْ لَمْ تَرَ قَبْلي أَسيرًا يمانِيَا
          وكان القياس ولا(8) ترضَّها، ولم يرو معنى قوله (فَلأُدْعَ لَهُ) أي فادعوني له حتَّى أقوم بكلِّه وضياعه.


[1] في (ص): ((قال)).
[2] في (ص): ((نصفين)).
[3] في (ص): ((دينًا)).
[4] في (ص): ((للأخ للأب)).
[5] في (ص): ((أقرب بأم)).
[6] في (ص): ((ينفرد)).
[7] في (ص): ((بعصبتهما)).
[8] قوله: ((ولا)) ليس في (ص).