شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: ميراث الأخوات مع البنات عصبةً

          ░12▒ باب: مِيرَاثُ / الأخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ
          فيه: الأسْوَدُ قَالَ: قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم بالنِّصْفِ لِلابْنَةِ وَالنِّصْفُ لِلأخْتِ. ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: قَضَى فِينَا، وَلَمْ يَذْكُرْ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم. [خ¦6741]
          وفيه: عَبْدُ اللهِ قَالَ: لأقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبيِّ صلعم أَوْ قَالَ: قَالَ النبي صلعم: (للابْنَةِ النِّصْفُ، وَلابْنَةِ الابْنِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأخْتِ). [خ¦6742]
          وفي حديث ابن مسعودٍ بيان ما عليه جماعة العلماء إلَّا من شذَّ في أنَّ الأخوات عصبةٌ للبنات يرثون ما فضل عن البنات.
          مثال ذلك: رجلٌ توفِّي عن ابنةٍ وأختٍ فللابنة النصف، وللأخت ما بقي، وكذلك إن توفِّي عن بنتين كان لهما الثلثان فللأخت(1) الثلث الباقي، وكذلك إن توفِّي عن بنتٍ وبنت ابنٍ وأختٍ، كان للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين؛ إذ لا يرث البنات _وإن كثرن_ أكثر من الثلثين، وللأخت أو الأخوات _وإن كثرن_ ما بقي بعد البنات.
          هذا قول جماعة الصحابة غير ابن عبَّاسٍ فإنَّه كان يقول: إنَّ للابنة النصف وليس للأخت شيءٌ وما بقي فهو للعصبة، وكذلك ليس للأخت شيءٌ مع البنت وبنت الابن، وما فضل عن البنت وبنت الابن لم يكن للأخت وكان للعصبة عند ابن عبَّاسٍ وإن لم يكن عصبةٌ ردَّ الفضل على البنت أو البنات، ولم يوافق ابن عبَّاسٍ أحدٌ على مذهبه في هذا الباب إلَّا أهل الظاهر فإنَّهم احتجُّوا بقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}[النساء:176]فلم يورِّث الأخت إلَّا إذا لم يكن للميِّت ولدٌ.
          قالوا: ومعلومٌ أنَّ الابنة من الولد فوجب ألَّا ترث الأخت مع وجودها كما لا ترث مع وجود الابن.
          وحجَّة الجماعة السنَّة الثابتة من حديث ابن مسعودٍ، ولا مدخل للنظر مع وجود الخبر، فكيف وجماعة الصحابة يقولون بحديث ابن مسعودٍ(2) ولا حجَّة لأحدٍ خالف السنَّة.
          وحجَّة الجماعة من جهة النظر أنَّ شرط عدم الولد في قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ}[النساء:176]إنَّما يجعل شرطًا في فرضها الذي تقاسم به الورثة ولم يجعل شرطًا(3) في توريثها، فإذا عدم الشرط سقط الفرض ولم يمنع ذلك أن ترث بمعنى آخر كما شرط في ميراث الأخ لأخته عند عدم الولد بقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ}[النساء:176]جعل ذلك شرطًا في ميراث الأخ ما(4) جعله شرطًا في ميراث الأخت.
          وقد أجمعت الجماعة أنَّ الأخ يرثها مع البنت وإن كان الشرط معدومًا كما شرط في ميراث الزوج النصف إذا لم يكن له ولد، ولم يمنع ذلك أن يأخذ النصف مع البنت بالفرض والنصف بالتعصيب إن كان عصبةً لامرأته.


[1] في (ص): ((وللأخت)).
[2] قوله: ((ولا مدخل للنظر.... ابن مسعود)) زيادة من (ص).
[3] في (ص): ((فرضًا)).
[4] في (ص): ((لما)).