شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة؟قبل اليمين

          ░19▒ بَابُ سُؤَالِ الحَاكِمِ المُدَّعِيَ: هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ(1)؟ قَبْلَ اليَمِينِ
          فيه: عَبْدُ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، قَالَ: فقَالَ(2) الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فيَّ وَاللهِ كَانَ ذَلِكَ(3)، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إلى النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلعم: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: احْلِفْ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ ╡: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}[آل عِمْرَان:77]). [خ¦2666] [خ¦2667]
          قال المؤلِّف(4): إنَّما يلزم الحاكم أن يسأل المدَّعي: (هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟) لأنَّ النبيَّ صلعم جعل البيِّنة على المدَّعي، وأجمعت الأمَّة على القول بذلك، وأنَّه لا تقبل دعوى أحدٍ على أحدٍ دون بيِّنةٍ.
          وقال المُهَلَّب: معنى سؤال الحاكم المدَّعي عن(5) البيِّنة قبل اليمين، خوفًا(6) أن يحلف له المطلوب، ثمَّ يأتي بعد ذلك المدَّعي ببيِّنةٍ فيأخذ(7) منه حقَّه؛ فيحصل المطلوب تحت يمينٍ كاذبةٍ غموسٍ يستحقُّ بها عقاب الله تعالى، إن شاء أن ينفذ عليه الوعيد، ثمَّ يؤخذ المال منه فهو له كالظلم، فإذا سأله: (هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟) فقال: لا. لم يكن له الرجوع عليه(8) ببيِّنةٍ إلا أن يحلف أنَّه ما علم بها يوم قال: لا(9)، وسيأتي(10) اختلاف العلماء في هذه المسألة بعد هذا إن شاء الله تعالى(11).
          واختلف العلماء في المدَّعي يثبت البيِّنة على ما يدَّعيه، هل للحاكم أن يستحلفه مع بيِّنته أم لا؟ فكان شريحٌ وإبراهيم النَّخَعِيُّ يريان أن يستحلف مع بيِّنته(12) أنَّها شهدت بحقٍّ، وقد روى ابن أبي ليلى عن الحكم، عن حنشٍ أنَّ عليًّا استحلف عبيد الله بن الحرِّ مع بيِّنته، وهو قول الأوزاعيِّ والحسن بن حيٍّ، وقال إسحاق: إذا استراب الحاكم أوجب ذلك، وذهب مالكٌ والكوفيُّون والشافعيُّ وأحمد إلى أنَّه لا يمين عليه، والحجَّة لهم قوله صلعم للأشعث: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟)، ولم يقل له: وتحلف معها، فلم يوجب على المدِّعي غير البيِّنة، وأيضًا قوله ╡: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} الآية[النور:4]، فأبرأه الله من الجلد بإقامة أربعة شهداء من غير يمينٍ. /


[1] في (ص): ((هل البينة)).
[2] في (ص): ((قال)).
[3] في (ص): ((والله نزلت)).
[4] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((عن)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((خوف)).
[7] في (ص): ((يأخذ)).
[8] قوله: ((عليه)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((لا)) ليس في (ص).
[10] زاد في (ص): ((بعد)).
[11] في (ص): ((بعد)) وقوله: ((اختلاف العلماء في هذه المسألة بعد هذا إن شاء الله تعالى)) ليس فيها.
[12] قوله: ((أم لا؟ فكان شريح وإبراهيم النَّخَعِي يريان أن يستحلف مع بينته)) ليس في (ص).