شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أمر بإنجاز الوعد

          ░28▒ باب: مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ
          وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ(1) وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ، وَقَضَى ابْنُ أشْوَعِ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَقَالَ: الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: (سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، قَالَ: وَعَدَنِي فَوَفَانِي).
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: أخبَرَني أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ وَبالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأمَانَةِ قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ. [خ¦2681]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ). [خ¦2682]
          وفيه: جَابِرٌ: (لَمَّا مَاتَ النَّبيُّ صلعم جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ على النَّبيِّ صلعم دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا. قَالَ جَابِرٌ: فقُلْتُ(2): وَعَدَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ جَابِرٌ: فَعَدَّ في يَدِي خَمْسَمائة، ثُمَّ خَمْسَمائة، ثُمَّ خَمْسَمائة). [خ¦2683]
          وفيه: ابْنُ جُبَيْرٍ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ: أيُّ الأجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ على حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ، فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ إِذَا قَالَ فَعَلَ. [خ¦2684]
          قال المُهَلَّب وغيره: إنجاز الوعد مندوبٌ إليه مأمورٌ به، وليس بواجبٍ فرضًا، والدليل على ذلك اتِّفاق الجميع على أنَّ من وعد بشيءٍ لم يضرب به مع الغرماء، ولا خلاف أنَّ ذلك مستحسنٌ، وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده، ووفى بنذره، وذلك من مكارم الأخلاق، ولمَّا كان رسول الله صلعم أولى الناس بها وأبدرهم إليها أدَّى عنه أبو بكرٍ(3) خليفته، وقام فيه مقامه، ولم يسأل أبو بكرٍ جابرًا البيِّنة على ما ادَّعاه على رسول الله صلعم من العدة؛ لأنَّه لم يكن شيئًا ادَّعاه جابرٌ في ذمَّة النبيِّ صلعم، وإنَّما ادَّعى شيئًا في بيت المال والفيء، وذلك موكولٌ إلى اجتهاد الإمام، وقد تقدَّم اختلاف الفقهاء فيما يلزم من العدة، وما لا يلزم منها في كتاب الهبات(4) فأغنى عن إعادته.


[1] في (ص): ((للحسن)).
[2] في (ص): ((قلت)).
[3] زاد في (ص): ((الصديق)).
[4] في (ص): ((اختلاف الفقهاء في كتاب الهبات ما يلزم منها)). وقوله: ((فأغنى عن إعادته)) ليس فيها.