شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا زكى رجل رجلًا كفاه

          ░16▒ باب: إِذَا زَكَّى الرَجُل رَجُلًا كَفَاهُ. /
          وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ(1) مَنْبُوذًا، فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ، كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي، قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ: كَذَلكَ اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.
          فيه: أَبو بَكْرَةَ: أَثْنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: (وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا(2) لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا _وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّي على اللهِ أَحَدًا_ أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ). [خ¦2662]
          هذا الباب موافقٌ لمذهب أبي حنيفة أنَّه يجوز تعديل رجلٍ واحدٍ، واحتجَّ أصحابه بحديث أبي جميلة في ذلك. وقد تقدَّم اختلاف العلماء في ذلك في باب تعديل كم يجوز فأغنى عن إعادته(3). [خ¦2642]
          قال المُهَلَّب: وأمَّا الذين لم يجيزوا تزكية رجلٍ واحدٍ فقالوا: إنَّ هذا السؤال من عمر إنَّما كان على طريق الخبر لا على طريق الشهادة، وهذا أصلٌ في أنَّ القاضي إذا سأل عن أحدٍ في مجلس نظره، فإنَّه يجتزئ بخبر الواحد وتعديله إذا كان القاضي هو الكاشف لأمره؛ لأنَّ ذلك بمنزلة علم القاضي إذا علم عدالة الشاهد، ألا ترى أنَّ عمر قنع بقول العريف إذ كان مخبرًا(4). وأمَّا إذا كُلِّف المشهود له أن يعدِّل شهوده فلا يقبل في ذلك(5) أقلُّ من رجلين كما ذكر الله تعالى في كتابه. هذا قول أصبغ بن الفرج.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما أنكر ◙ في حديث أبي بكرة قطعه بالصلاح والخير له، ولم يَردَّ العلم في ذلك(6) إلى الله ╡ في ذلك، ألا ترى أنَّه أمره إذا أثنى أحدٌ على أحدٍ أن يقول: أحسب. ولا يقطع؛ لأنَّه لا يعلم السرائر إلَّا الله ╡، وهو في معنى الخبر لا في معنى الشهادة.
          وروى أشهب عن مالكٍ أنَّه سئل عن قول عُمَر بن الخطَّاب(7): ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال مالكٌ: اتَّهمه عمر أن يكون ولده أتاه به ليفرض له في بيت المال، ويحتمل أن يكون ظنَّ(8) به أنَّه يريد أن يفرض له ويلي أمره ويأخذ ما يفرض له ويصنع به ما شاء، فلمَّا قال له عريفه: (إِنَّه رَجُلٌ صَالِحٌ)، صدَّقه.
          وأمَّا قوله: (وَعَلَينَا نَفَقَتُهُ) يعني: رضاعه ومؤونته من بيت المال.
          قال عيسى بن دينارٍ: وكان عمر دوّن الدواوين، وقسم الناس أقسامًا، وجعل على كلِّ ديوانٍ عريفًا ينظر عليهم، فكان الرجل الذي وجد المنبوذ من ديوان الرجل الذي زكَّاه عند عمر. وفي قول العريف لعمر: (إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ)، وتقرير عمر للرجل(9) على ذلك فقال: نعم. فيه(10): أنَّ مباحًا للإنسان أن يزكِّي نفسه ويخبر بالصلاح عنها إذا احتيج إلى ذلك وسئل عنه، وهكذا رواه مالكٌ في «الموطَّأ» فقال عمر: أكذلك؟ قال: نعم.


[1] زاد في (ص): ((رجلا)).
[2] زاد في (ص): ((أخاه)).
[3] قوله: ((فأغنى عن إعادته)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((خبرًا)).
[5] قوله: ((في ذلك)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((في ذلك)) ليس في (ص).
[7] قوله: ((بن الخطاب)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((ويحتمل أنه ظن)).
[9] قوله: ((للرجل)) ليس في (ص).
[10] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).