شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة

          ░21▒ باب: إِذَا ادَّعَى أَوْ قَذَفَ فَلَهُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَيِّنَةَ وَيَنْطَلِقَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا على امْرَأَتِهِ رَجُلا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟! فَجَعَلَ يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ)، فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ. [خ¦2671]
          هذا الحديث إنَّما هو في رمي أحدٍ الزوجين صاحبه، فهو الذي يقال له: انطلق ائت(1) بالبيِّنة؛ لأنَّ الزوجين ليس بينهما جلدٌ، وإنَّما يسقط(2) الجلد بينهما بالتلاعن، والأجنبيُّون بخلاف حكم الزوجين في ذلك؛ فإذا قذف أجنبيٌّ أجنبيًّا لم يترك لطلب البيِّنة ولا يضمنه أحدٌ، بل يحبسه الإمام خشية أن يفوت أو يهرب، ويرتاد(3) من يطلب بيِّنته، وإنَّما لم يضمنه أحدٌ؛ لأنَّ الحدود لا كفالة فيها ولا ضمان؛ لأنَّه لا يُحدُّ أحدٌ عن أحدٍ.
          وقوله صلعم: (الْبَيِّنَةَ وإلَّا حَدٌّ في ظَهْرِكَ)كان قبل نزول حكم اللعان على ظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً(4)}الآية[النور:4]. فدخل في حكم الآية الزوجان وغيرهما، فلمَّا نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}[النور:6]، وحكم الله تعالى باللعان(5) بين الزوجين بخلاف حكم الأجنبيِّين، وخصَّ الزوجين بألَّا يحدَّ المتلاعن إلَّا أن يأبى من اللعان، وكذلك المرأة إذا أبت من اللعان بعد لعان الزوج حُدَّت، بخلاف أحكام الأجنبيِّين أنَّه من لم يقم البيِّنة على قذفه وجب عليه الحدُّ؛ لقوله ◙: (وَإِلَّا حَدٌّ في ظَهرِكَ).


[1] في (ص): ((فأتي)).
[2] في (ص): ((سقط)).
[3] في (ص): ((أو يرتاد)).
[4] قوله: ((ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((باللعان)) ليس في (ص).