شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشهداء العدول

          ░5▒ باب: الشُّهَدَاءِ الْعُدُولِ وَقَوْلِهِ ╡: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق:6]
          فيه: عُمَرُ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ في عَهْدِ النَّبيِّ صلعم، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ في سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. [خ¦2641]
          قال أبو الحسن بن القابسيُّ: ينبغي لكلِّ من سمع هذا الحديث أن يحفظه ويتأدَّب به. والمرفوع من هذا الحديث إخبار عمر عمَّا كان الناس يؤخذون به على عهد رسول الله صلعم وبقيَّة الخبر بيان لما يستعمله الناس بعد انقطاع الوحي بوفاة النَّبيِّ صلعم.
          وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ من ظهر منه الخير فهو العدل الذي تجب قبول شهادته.
          واختلفوا في ذلك فقال النَّخَعِيُّ: العدل: الذي لم تظهر له ريبةٌ. وهو قول أحمد وإسحاق.
          وقال أبو عبيدٍ: من ضيَّع شيئًا ممَّا أمره الله ╡ به أو ركب شيئًا ممَّا نهى الله عنه، فليس بعدلٍ؛ لقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ على السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية[الأحزاب:72]، والأمانة جميع الفرائض اللازمة واللازمة(1) تركها.
          وقال أبو يوسف ومحمَّدٌ والشافعيُّ: من كانت طاعته أكثر من معاصيه، وكان الأغلب عليه الخير، زاد الشافعيُّ: والمروءة، ولم يأت كبيرةً يجب فيها(2) الحدُّ أو ما يشبه الحدَّ قبلت شهادته؛ لأنَّه لا يسلم أحدٌ من ذنبٍ. ومن أقام على معصيةٍ أو كان كثير الكذب غير مستترٍ به لم تجز شهادته. وقال الطحاويُّ: لا يخلو ذكر المروءة أن يكون فيما يحلُّ أو يحرم، فإن كانت فيما يحلُّ فلا معنى لذكرها، وإن كانت فيما يحرم فهي من المعاصي، فالمراعاة هي(3) إتيان الطاعة واجتناب المعصية. قال المُهَلَّب: في هذا الحديث دليلٌ أنَّ سلف الأمَّة كانوا على العدالة؛ لشهادة الله تعالى لهم أنَّهم خير أمَّةٍ أخرجت للناس.
          وقال الحسن البصريُّ وغيره وذكره ابن شهابٍ: إنَّ القضاة فيما مضى كانوا إذا شهد عندهم الشاهد قالوا: قد قبلناه لدينه، وقالوا للمشهود عليه(4): دونك فجرِّح؛ لأنَّ الجرحة كانت فيهم شاذَّةً، فعلى هذا كان السلف، ثمَّ حدث في الناس غير ذلك.
          واتَّفق مالكٌ والكوفيُّون والشافعيُّ: على(5) أنَّ الشهود اليوم على الجرحة حتَّى تثبت العدالة.
          قال أبو حنيفة: إلَّا شهود النكاح فإنَّهم على العدالة. وهذا قولٌ لا سلف له فيه ولا دليل عليه، ولو عكس عليه هذا القول لم يكن أحدٌ القولين أولى بالحكم من صاحبه(6)، وحجَّة الفقهاء أنَّ الشهود على الجرحة قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق:2]و {مِمَّن(7) تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة:282]فخاطب الحكَّام ألَّا يقبلوا إلَّا من كان بهذه الصفة، ودلَّ القرآن أنَّ في الناس غير مرضيٍّ ولا عدلٍ، فلذلك كُلِّف الطالب إذا جهل(8) القاضي أحوال الشهود أن يعدلوا / عنده.


[1] في (ص): ((واللازم)).
[2] في (ص): ((بها)).
[3] زاد في (ص): ((في)).
[4] في (ص): ((له)).
[5] قوله: ((على)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((الآخر)).
[7] في (ص): ((ممن)) دون حرف العطف.
[8] في (ز): ((جعل)) والمثبت من (ص).