شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم

          ░7▒ باب: الشَّهَادَةِ على الأنْسَاب وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ
          وَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ) وَالتَّثَبُّتِ فِيهِ(1).
          فيه: عَائِشَةُ: / (اسْتَأْذَنَ عَليَّ أَفْلَحُ فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟ فَقُلْتُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، فَقَالَتْ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ). [خ¦2644]
          وقالت مرَّةً: إن رَجُلًا اسْتَأْذِنُ في بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (أُرَاهُ فُلانًا، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلانٌ حَيًّا، _لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ_، دَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلادَةِ). [خ¦2646]
          وفيه: ابْنُ ‏عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبيُّ(2) صلعم في ابنة حَمْزَةَ: (لا تَحِلُّ لي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ ابنة أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ). [خ¦2645]
          وفيه: عَائِشَةُ: (دَخَلَ عليَّ النَّبيُّ صلعم وَعِنْدِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، مَنْ هَذَا؟ فقُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فقَالَ: انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؛ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ). [خ¦2647]
          معنى هذا الباب أنَّ ما صحَّ من الأنساب والموت والرضاع بالاستفاضة وثبت علمه في النفوس، وارتفعت فيه الريب والشكُّ أنَّه لا يحتاج فيه إلى معرفة الذين بهم(3) ثبت علم(4) ذلك، ولا يحتاج إلى معرفة الشهود، ألا ترى أنَّ الرضاع الذي في هذه الأحاديث كلِّها كان في الجاهليَّة، وكان مستفيضًا معلومًا عند القوم الذين وقع الرضاع فيهم، وثبتت به(5) الحرمة والنسب في الإسلام.
          ويجوز عند مالكٍ والكوفيِّين والشافعيِّ الشهادة بالسماع المستفيض في النسب والموت القديم والنكاح. وقال الطحاويُّ: أجمعوا(6) أنَّ شهادة السماع تجوز في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، وتجوز عند مالكٍ والشافعيِّ الشهادة على ملك الدار بالسماع، زاد الشافعيُّ: وعلى مالك(7) الثوب أيضًا، ولا يجوز ذلك عند الكوفيِّين.
          قال مالكٌ: لا تجوز الشهادة على ملك الدار بالسماع على خمس سنين ونحوها إلَّا فيما يكثر من السنين وهو بمنزلة سماع الولاء.
          قال ابن القاسم: وشهادة السماع إنَّما هي(8) فيما أتت عليه أربعون أو خمسون سنةً.
          قال مالكٌ: وليس أحدٌ(9) يشهد على أجناس الصحابة إلَّا على السماع.
          وقال عبد الملك: أقلُّ ما يجوز في الشهادة على السماع أربعة شهداء من أهل العدل أنَّهم لم يزالوا يسمعون أنَّ هذه الدار صدقةٌ على بني فلانٍ محتبسةٌ عليهم ممَّا يصدَّق به فلانٌ، ولم يزالوا يسمعون أنَّ فلانًا مولى فلانٍ، قد تواطأ ذلك عندهم وفشا من كثرة ما سمعوه(10) من العدول وغيرهم ومن المرأة والخادم والعبد.
          واختلف فيما يجوز من شهادة النساء في هذا الباب، فقال مالكٌ: لا يجوز في الأنساب والولاء شهادة النساء مع الرجال، وهو قول الشافعيِّ، وإنَّما تجوز مع الرجال في الأموال خاصَّةً أو منفردات في الاستهلال، وما لا يطَّلع عليه الرجال من أمور النساء، وأجاز الكوفيُّون شهادة رجلٍ وامرأتين في الأنساب.
          وأمَّا الرضاع فيجوز(11) عند مالكٍ شهادة امرأتين دون رجلٍ، وسيأتي مذاهب العلماء في هذا في كتاب الرضاع(12).


[1] في (ص): ((والنسب)).
[2] في (ص): ((الرسول)).
[3] في (ص): ((فيه المعرفة بعدد الذين به)).
[4] في (ص): ((على)).
[5] قوله: ((به)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((اتفقوا)).
[7] في (ص): ((ملك)).
[8] زاد في (ص): ((عليه)).
[9] قوله: ((أحد)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((يسمعوه)).
[11] زاد في (ص): ((فيه)).
[12] في (ص): ((في هذا في الباب إن شاء الله)).