شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تعديل كم يجوز

          ░6▒ باب: تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ
          فيه: أَنَسٌ: (مُرَّ عَلى(1) النَّبِيِّ صلعم بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَسُئِلَ، فَقَالَ النَّبيُّ(2) صلعم: شَهَادَةُ الْقَوْمِ، الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ). [خ¦2642]
          وفيه: عُمَرُ: (أَنَّهُ مُرَّ عَلَيهِ بجَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ خَيْرًا(3). فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِثانيةٍ(4) فَأُثْنِيَ بخَيْرٍ. فَقَالَ: وَجَبَتْ)الحديث. فَسُئِلَ، فَقَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَيُّمَا مُسْلِمٍ(5) شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، قُلْنَا: وَثَلاثَةٌ؟ قَالَ: وَثَلاثَةٌ. قُلْتُ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ. ثُمَّ لَمْ(6) نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ). [خ¦2643]
          اختلف العلماء في عدد من يجوز تعديله، فقال مالكٌ ومحمَّد بن الحسن والشافعيُّ: لا يقبل في التعديل والجرح(7) أقلُّ من رجلين. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يقبل تعديل الواحد وجرحه. وحديث عمر حجَّةٌ لمالكٍ ومن وافقه. واحتجَّ الطحاويُّ لذلك فقال: لمَّا لم ينفذ الحكم إلَّا برجلين فكذلك الجرح والتعديل، فلمَّا كان من شرط المزكِّي والجارح العدالة وجب أن يكون من شرطهما(8) العدد.
          واتَّفقوا أنَّه لو عدَّل رجلان وجرَّح واحدٌ أنَّ التعديل أولى، فلو كان الواحد مقبولًا لما صحَّ التعديل مع جرح الواحد.
          واتَّفقوا إذا استوى الجرح والتعديل، فإنَّ الجرح أولى أن يعمل به من التعديل وهو قول مالكٍ(9) في «المدوَّنة»؛ والحجَّة لذلك أنَّ الجرح باطنٌ والعدالة علم ظاهرٍ، والجارح يصدِّق المعدِّل ويقول: قد علمت من حاله مثل ما علمت أنت وانفردت أنا بعلم ما لم تعلم أنت من أمره بعلمٍ انفردت به لا ينافي خبر العدل(10) وخبر العدل لا ينافي صدق الجارح، فوجب أن يكون الجرح أولى من التعديل.
          ولمالكٍ قول آخر في «العتبيَّة» من رواية أشهب وابن نافعٍ: أنَّه ينظر إلى أعدل البيِّنتين فيقضي بها وقال ابن نافعٍ: الجرحة أولى. والحجَّة لقول ابن نافعٍ ما تقدَّم من تصديق الجارحين للمعدِّلين وإخبارهم بما انفردوا به دونهم، وكذلك لو كثر عدد المعدِّلين على عدد الجارحين كان قول الجارحين أولى، وهو قول الجمهور والأكثر، والحجَّة له ما تقدَّم ذكره.


[1] قوله: ((على)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((النبي)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((خير)).
[4] في (ص): ((عليه بأخرى)).
[5] في (ص): ((رجل)).
[6] في (ص): ((فلم)).
[7] في (ص): ((الجرح والتعديل)).
[8] في (ص): ((شرطها)).
[9] قوله: ((مالك)) زياد من (ص).
[10] في (ص): ((المعدل)) وكذا في الموضع بعده.