شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في شهادة الزور

          ░10▒ باب: مَا قِيلَ في شَهَادَةِ الزُّورِ لِقَوْلِ الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}[الفرقان:72]
          وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}(1)[البقرة:283]
          فيه: أَنَسٌ: (سُئِلَ النَّبيُّ صلعم عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ). [خ¦2653]
          وفيه: أَبِو بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ. فكَرَّرَهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ). [خ¦2654]
          في حديث أبي بكرة أنَّ شهادة الزور أكبر الكبائر. وقد روي عن ابن مسعودٍ أنَّه قال: عدلت شهادة الزور(2) بالشرك بالله. ثمَّ قرأ عبد الله(3): {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفَاء لِلَّهِ(4)}[الحج:30-31].
          واختلف العلماء في عقوبة شاهد الزور، فذكر عبد الرزَّاق عن مكحولٍ، عن الوليد بن أبي مالكٍ، أنَّ عُمَر بن الخطَّاب كتب إلى عمَّاله بالشام في شاهد الزور أن يجلد أربعين، ويُسَخَّم وجهه، ويحلق رأسه، ويطال حبسه.
          وروايةٌ أخرى عن عمر أنَّه أمر أن يُسخَّم وجهه، وتلقى عمامته في عنقه، ويطاف به في القبائل ويقال: شاهد زورٍ، ولا تقبل شهادته أبدًا. وروى ابن وهبٍ، عن مالكٍ: أنَّه يجلد ويطاف(5) ويُشنَّع به. وقال ابن القاسم: بلغني عن مالكٍ أنَّه قال: لا تقبل شهادته أبدًا وإن تاب وحسنت توبته اتِّباعًا لعمر بن الخطَّاب ☺. قال ابن أبي ليلى: يُعزِّره. وهو قول أبي يوسف ومحمَّدٍ، وقال الشافعيُّ: يُعزَّر(6) ويُشهَّر به، وبه(7) قال أحمد وإسحاق وأبو ثورٍ، وقال شريحٌ: يُشهَّر ولا يُعزَّر. وهو قول أبي حنيفة.
          قال الطحاويُّ: شهادة الزور فسقٌ، ومن فَسَّق رجلًا عُزِّر بوجود الفسق فيه أولى أن يستحقَّ به التعزير، ولا يختلفون أنَّ من فسق بغير شهادة الزور؛ أنَّ توبته مقبولةٌ وشهادته بعدها، كذلك شاهد الزور.


[1] قوله: ((وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ})) ليس في (ص).
[2] قوله: ((الزور)) زيادة من (ص).
[3] قوله: ((عبد الله)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((حنفاء لله)) ليس في (ص).
[5] زاد في (ص): ((به)).
[6] في (ص): ((يعزره)).
[7] قوله: ((وبه)) ليس في (ص).