شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استعذاب الماء

          ░13▒ بَابُ اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ.
          فيه: أَنَسٌ، كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ(1) إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبيُّ صلعم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عِمْرَان:92]الحديث. [خ¦5611]
          شرب الماء العذب وطلبه مباح للصَّالحين والفضلاء، وليس شرب الماء الذعاق(2) أفضل من شرب العذب؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم كان يشرب العذب ويؤثره، وفيه القدوة والأسوة الحسنة، ومحال أن يترك الأفضل في شيء من أفعاله، وفي هذا الحديث دليل على أنَّ استعذاب الأطعمة وجميع المآكل جائز لذوي الفضل، وأنَّ ذلك من أفعال الصَّالحين، ولو أراد الله تعالى ألَّا تؤكل لذيذ المطاعم لم يخلقها لعباده، ولا امتنَّ بها عليهم، بل أراد ╡ منهم أكلها ومقابلتها من الشُّكر الجزيل عليها والحمد بما مَنَّ به منها بما ينبغي لكرم وجهه وعزِّ سلطانه، وإن كانت نعمة لا يكافئ شكر أقلِّها إلَّا بتجاوزه عن تقصيرنا، وقد قال أهل التَّأويل في قوله ╡: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ}[المائدة:87]أنَّها نزلت فيمن حرَّم على نفسه لذيذ المطاعم، وسيأتي بيان هذا في أول كتاب الأطعمة. [خ¦70/1-7986]


[1] قوله: ((ماله)) ليس في (ص).
[2] صورتها في (ز): ((الرعاف)).