شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشرب في آنية الذهب

          ░27▒ بَابُ الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ.
          فيه: حُذَيْفَةُ، أنَّهُ اسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ(1) بِقَدَحِ فِضَّةٍ، فَرَمَى بِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ: (وَإِنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: هُنَّ لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَهيَ(2) لَكُمْ في الآخِرَةِ). [خ¦5632]
          العلماء متَّفقون أنَّه لا يجوز الأكل و الشُّرب في آنية الذَّهب والفضَّة لأنَّ ذلك من باب السَّرف، إذ قد(3) جعل الله الذَّهب والفضَّة قوامًا للنَّاس وأثمانًا لمعاشهم(4) وقيمًا للأشياء، فكره استعمالها في غير ذلك إلَّا ما أباحته السُّنَّة للرِّجال من السَّيف والخاتم والمصحف، والحليِّ للنِّساء.
          قال المُهَلَّب: وقوله ◙: (هُنَّ لَهُم في الدُّنْيا وهُنَّ لَكُم في الآخِرَةِ) هو(5) مثل قوله ◙ في الحرير: ((إنَّما يَلبَسُ هذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لهُ في الآخرَةِ)) وهم الكفَار لأنَّه لمَّا كان الحرير من لباسهم في الدَّنيا، وآثروه على ما أعدَّ(6) الله في الآخرة لأوليائه، وأحبُّوا العاجلة ذمَّهم النَّبيُّ صلعم بذلك، ونهى المسلمين أن يتشبَّهوا بالكفَّار المؤثرين للدُّنيا على الآخرة، ولئلَّا يدخلوا تحت قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}الآية[الأحقاف:20]، وقال مالك بن دينار: قرأت فيما أنزل الله ╡: ((أنْ قُل لأوليائي لا يَطعَموا مطاعِمَ أعدائي، ولا يَلبَسوا ملابِسَ أعدائي، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي)).


[1] في (ص): ((الدهقان)).
[2] في (ص): ((وهن)).
[3] قوله: ((قد)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((لمعايشهم)).
[5] في (ص): ((وهو)).
[6] في (ص): ((أعده)).