شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشرب قائمًا

          ░16▒ بَابُ الشُّرْبِ قَائِمًا.
          فيه: عَلِيٌ: (أنه شَرِبَ قَائِمًا، فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ(1)، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ). [خ¦5615]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (شَرِبَ النَّبيُّ ◙ قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ). [خ¦5617]
          إنَّما رسم البخاريُّ هذا الباب لأنَّه قد رويت عن النَّبيِّ صلعم آثار فيها كراهية الشُّرب قائمًا، فلم تصحَّ عنده، وصحَّت عنده أحاديث الإباحة في ذلك، وعمل بهذا الخلفاء بعد النَّبيِّ صلعم، وقال بها أئمَّة الفتوى، روى(2) الطَّبريُّ عن عُمَر بن الخطَّاب أنَّه شرب قائمًا، وعن عليِّ بن أبي طالب وسعد وابن عمر وعائشة وأبي هريرة مثله، وعن إبراهيم وطاووس وسعيد بن جبير مثله أيضًا.
          وروي عن أنس أنَّه كره الشُّرب قائمًا، وعن أبي هريرة مثله، وبه قال الحسن البصريُّ.
          والدَّليل على جواز ذلك أنَّ الأكل مباح قائمًا وعلى كلِّ حال، فكذلك الشُّرب، ذكر ابن أبي شيبة قال: حدَّثنا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عُمَر عن نافع عن ابن عمر قال: ((كنَّا نشربُ ونحنُ قيامٌ، ونأكلُ ونحنُ نَمشي على عَهدِ رسولِ اللهِ صلعم)).
          قال الطَّبريُّ: وأحاديث النَّهي عن ذلك ليست على وجه التَّحريم، وإنَّما هي على وجه التَّأديب والإرشاد، يدلُّ على ذلك أنَّه شرب ◙ قائمًا، ولم يرد عنه أنَّ أحد الخبرين ناسخ للآخر، ولا يجوز أن يكون منه ◙ تحريم شيء بعد إطلاقه، أو إطلاق شيء بعد تحريمه، ثمَّ لا يُعلم أمَّته أيَّ ذلك الواجب عليهم العمل به. وقد روي في سبب(3) نهيه /
          عن ذلك خبر في إسناده نظر، روى بقيَّةُ عن إسحاق بن مالك عن محمَّد بن إبراهيم عن الحارث بن فضيل عن جعفر بن عبد الله عن ابن عمر قال: قال النَّبيُّ صلعم: ((مَنْ أصَابَهُ الجِنُّ في إحدى ثلاثٍ لم يشفَ: وهوَ يشربُ قائمًا، أو يمشي في نعلٍ واحدةٍ، أو يشبكُ بينَ أصابعِهِ)) وهذا الخبر وإن كان ممَّا لا يعتمد عليه لضعفه، فإنَّ في إجماع الحجَّة على أنَّ نهي النَّبيِّ صلعم عن الشُّرب قائمًا على غير وجهِ التَّحريمِ له دليل على أنَّه نهى عنه كراهية له بسبب هو غير التَّحريم(4).
          وروي عن النَّخَعِي أنَّه قال: إنَّما كره(5) الشُّرب قائمًا مخافة أن يأخذ منه الدَّاء. وقال مرَّة: يأخذ منه ذا البطن، وقال غيره: النَّهي عنه _والله أعلم_ نهي اختيار، لأنَّ الشُّرب جالسًا أهنأ وأمرأ.


[1] في (ص): ((أن يشرب قائمًا)).
[2] في (ص): ((وروى)).
[3] زاد في (ز): ((نزول)) وليست في (ص).
[4] قوله: ((له دليل على أنه نهى عنه كراهية له بسبب هو غير التحريم)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((أكره)).