شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب شوب اللبن بالماء

          ░14▒ بَابُ شَوْبِ(1) اللَّبَنِ بِالْمَاءِ.
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلعم يشَربَ لَبَنًا، وَأَتَى دَارَهُ فَحَلَبْتُ شَاةً فَشُبْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم مِنَ اللَّبَنِ، فَتَنَاوَلَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى الأعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، و قَالَ: الأيْمَنَ، فَالأيْمَنَ). [خ¦5612]
          وفيه: جَابِرٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم دَخَلَ على رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ في شَنَّةٍ، وَإِلا كَرَعْنَا، قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ في حَائِطِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ(2): يَا رَسُولَ اللهِ، عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ، فَانْطَلِقْ إلى الْعَرِيش، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا، فَسَكَبَ في قَدَحٍ ثُمَّ حَلَبَ(3) عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ، قَالَ: فَشَرِبَ النَّبيُّ صلعم، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الذي جَاءَ مَعَهُ). [خ¦5613]
          وترجم لحديث جابر: باب: الكَرعِ في الحوضِ وفيه: (فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، بأبي أنت(4) وأمِّي، وهيَ ساعةٌ حارَّةٌ).
          يشرب اللَّبن بالماء، وهو أصل في نفسه، وليس من باب الخليطين في شيء.
          قال المُهَلَّب: والحكمة في شرب الماء البارد ما فعله النَّبيُّ صلعم من الجرع لاستلذاذ(5) ببرودته، وكان ذلك في يوم حرٍّ، ألا ترى قوله في باب الكرع: (وهيَ ساعةٌ حارَّةٌ). ولذلك صبَّ(6) اللَّبن على الماء ليقوى بروده باجتماع برد اللَّبن مع برد الماء البائت، وفيه أنَّه لا بأس بطلب الماء(7) البارد في سموم الحرِّ، وقصد الرَّجل الفاضل بنفسه فيه حيث يعرف مواضعه عند إخوانه، وقد روى أبو هريرة عن النَّبيِّ صلعم ((إنَّ أوَّلَ مَا يُحاسَبُ بِهِ العبدُ يومَ القيامَةِ أَنْ يقال لهُ: أَلَم أُصِحَّ جسمَكَ وأَروِكَ مِنَ الماءِ البَارِدِ؟)).
          وقوله: (وَإِلَّا كَرَعْنا) يريد إن لم يكن عندك ماء بارد ولا عذب كان الأولى في شربه الكرع؛ لئلَّا يعذِّب نفسه بكراهته في كثرة الجرعات.
          والكرع: شرب الرَّجل بفيه، يقال: كَرِع كَرَعًا وكُرُوعًا، وكَرَع في الإناء: إذا مال نحوه بعنقه فشرب منه.
          وخلطُ اللَّبن بالماء إنَّما يجوز عند الشُّرب لطلب اللَّذة أو للحاجة إلى ذلك، وأمَّا عند البيع فلا يجوز، لأنَّه غشٌّ. /


[1] في (ص): ((شرب)).
[2] قوله: ((الرجل)) ليس في (ص).
[3] في المطبوع: ((فحلب)).
[4] قوله: ((انت)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((لاستلذاذه)).
[6] زاد في (ص): ((له)).
[7] قوله: ((الماء)) ليس في (ص).