شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تغطية الإناء

          ░22▒ بَابُ تَغْطِيَةِ الإنَاءِ.
          فيه: جَابِرٌ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ _أَوْ أَمْسَيْتُمْ_ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ(1)، وأَغْلِقُوا الأبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْه شَيْئًا، وَأَطْفِؤُوا مَصَابِيحَكُمْ). [خ¦5623]
          قال المُهَلَّب: خشي النَّبيُّ صلعم على الصِّبيان عند انتشار الجنِّ أن تلمَّ بهم فتصرعهم، فإنَّ الشَّيطان قد أعطاه الله ╡ قوَّة على هذا، وأعلمنا(2) رسول الله أنَّ التَّعرُّض للفتن ممَّا لا ينبغي، فإنَّ الاحتراس منها أحزم، على أنَّ ذلك الاحتراس لا يردُّ قدرًا ولكن لتبلغ النَّفس عذرها، ولئلَّا يسبِّب له الشَّيطان إلى لوم نفسه في التَّقصير.
          وأمَّا قوله: (إنَّ(3) الشَّيطانَ لا يَفتحُ غَلقًا) فهو إعلام من النَّبيِّ صلعم أنَّ الله تعالى لم يعطه قوَّة على هذا، وإن كان قد أعطاه ما هو أكثر منه، وهو الولوج حيث لا يلج الإنسان، وسيأتي هذا المعنى في باب إغلاق الأبواب باللَّيل في آخر كتاب الاستئذان إن شاء الله. [خ¦6296]
          والوكاء والتَّخمير دلائل على أنَّ الاستعاذة تردع الشَّيطان، وقيل: إنَّما أمر بتغطية الإناء لحديث القعقاع بن حكيم عن جابر أنَّ النَّبيَّ صلعم(4) قال: ((غَطُّوا الإناءَ وأوكوا السِّقاءَ فإنَّ في السَّنة ليلةً ينزلُ فيها وباءٌ لا يمرُّ بإناءٍ ليسَ فيهِ غطاءٌ إلَّا نزلَ فيهِ مِنْ ذلكَ الوباءِ)) قال اللَّيث بن سعد _وهو راوي الحديث_: والأعاجم يتَّقون ذلك في كانون الأوَّل.
          قال المُهَلَّب: وأمَّا إطفاء السِّراج فقد بيَّنه في غير هذا الحديث، وقال: من أجل الفويسقة _وهي الفأرة_ فإنَّها تضرم على النَّاس بيوتهم. وإنَّما سمَّاها فويسقة لفسادها وأذاها، وسيأتي زيادة في هذا المعنى في كتاب الاستئذان في باب قوله: لا تترك النَّار في البيت عند النَّوم. [خ¦6295]وفيه(5): أنَّ أوامر النَّبيِّ صلعم قد تكون لمنافعنا لا لشيء من أمر الدِّين.


[1] في (ص): ((فخلوهم)).
[2] في المطبوع: ((وقد علمنا))، و في (ص): ((وعلمنا)).
[3] في (ص): ((فإن)).
[4] في (ص): ((الرسول)).
[5] في (ص): ((وقيل)).