شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخمر من العنب

          ░2▒ بَابٌ الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ وغيره.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيءٌ). [خ¦5579]
          وفيه: أَنَسٌ قَالَ: (حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ، وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الأعْنَابِ إِلَّا قَلِيلًا، وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ). [خ¦5580]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: (قَامَ عُمَرُ على الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِي مِنْ خَمْسَةٍ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا(1) خَامَرَ الْعَقْلَ). [خ¦5581]
          قال المؤلِّف: هذا الباب ردٌّ على الكوفيِّين في قولهم: إنَّ الخمر من العنب خاصَّة، وإن كانت شرابه(2) يتَّخذ من غيره فغير محرَّم ما دون السُّكر منه.
          قال المُهَلَّب: / وهذا التَّفسير من عمر ☺ مقنع، ليس لأحد أن يتسَّور فيقول: إنَّ الخمر من العنب وحده، فهؤلاء أصحاب النَّبيِّ وهم(3) فصحاء العرب، والفقهاء عن الله ╡ ورسوله ◙ قد فسَّروا عين ما حرَّمه الله وقالوا: إنَّ الخمر من خمسة أشياء، و(4) أخبر عمر بذلك حكاية عمَّا نزل من القرآن، وتفسيرًا للجملة، وقال: الخمر ما خامر العقل، وخطب بذلك على منبر النَّبيِّ صلعم بحضرة الصَّحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ولم ينكره أحد منهم فصار كالإجماع، وهذا ابن عمر يقول: (حُرِّمَتِ الخَمْرُ وَمَا بِالمَدِينَةِ منها شيءٌ) يعني خمر العنب. وقال أنس: ((وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الأَعْنَابِ إلَّا قَلِيلًا)) وممَّن روي عنه من الصَّحابة أنَّ الخمر يكون من غير العنب _وإن كان لا مخالف فيهم_: عُمَر بن الخطَّاب وعليُّ بن أبي طالب و أبو موسى الأشعريُّ وابن عبَّاس وابن عمر وأبو هريرة وسعد وعائشة.
          ومن التَّابعين: سعيد بن المسيِّب وعروة وعمر بن عبد العزيز، في تابعي أهل المدينة.
          ومن أهل الكوفة ابن مسعود ☺ روي عنه في نقيع التَّمر أنَّه خمر، وبه قال الشَّعبيُّ وابن أبي ليلى والنَّخعيُّ والحسن البصريُّ وعبد الله بن إدريس الأوديُّ(5) وسعيد بن جبير وطلحة بن مصرف، كلُّهم قالوا: المسكر خمر. وهو قول مالك والأوزاعيُّ والثَّوريُّ وابن المبارك والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وعامَّة أهل الحديث.
          وروى صفوان بن مُحْرِز قال: سمعت أبا موسى على المنبر يقول: (أَلَا إنَّ خَمْرَ أَهْلِ المدِينَةِ: البُسْرُ والتَّمرُ، وخمرَ أهلِ فارسٍ: العنبُ، وخمرَ أهلِ اليمنِ: البِتعُ، وهو العسلُ، وخمرَ الحبشةِ: الإسْكُركَةُ، وهُوَ الأرُزُّ).
          قال إسماعيل بن إسحاق: فإذا تبيَّن أنَّ الخمر يكون من هذا كلِّه، وجب أن يجري كلُّه مجرًى واحدًا وألَّا نفرِّق بين المسكر من العنب، والمسكر من غيره، والمِزرُ ما(6) يصنع من الشَّعير، وهو الجِعَةُ أيضًا.


[1] في (ص): ((والشعير وما)).
[2] في (ص): ((وإن كل شراب)).
[3] قوله: ((وهم)) ليس في (ص).
[4] زاد في (ص): ((قد)).
[5] في (ص): ((الأزدي)).
[6] قوله: ((ما)) ليس في (ص).