شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب شرب البركة والماء المبارك

          ░31▒ بَابُ شُرْبِ الْبَرَكَةِ وَالْمَاءِ الْمُبَارَكِ.
          فيه: جَابِرٌ: (رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبيِّ ◙ وَقَدْ حَضَرَتِ(1) الْعَصْرُ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ في إِنَاءٍ، فَأتى النَّبيُّ صلعم(2) فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ(3)، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَي أَهْلِ الْوُضُوءِ، والْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ(4)، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ، وَشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لا آلُو مَا جَعَلْتُ في بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ. قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفٌ وَأَرْبَعُ مِائَةٍ. وقَالَ جَابِر: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةٍ). [خ¦5639]
          قال المُهَلَّب: قال البخاريُّ: باب شرب البركة / لقول جابر في الحديث: (فَعَلِمْتُ أنَّهُ بَرَكةٌ(5)) وهذا جائز سائغ في لسان العرب أن يسمَّى الشَّيء المبارك فيه: بركة، كما قال أيُّوب النَّبيُّ صلعم: ((لا غِنى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ)) فسمَّى الذَّهب بركة، ومثله(6) قوله ╡: {هَذَا خَلْقُ اللهِ}[لقمان:11]يعني مخلوقاته، والخلق اسم الفعل.
          وفيه من الفقه: أنَّ الإسراف في الطَّعام والشَّراب مكروه إلَّا الأشياء التي أرى الله فيها(7) بركة غير معهودة وآية قائمة(8) بيِّنة فلا بأس بالاستكثار منها، وليس في ذلك سرف ولا كراهية، ألا ترى قول جابر: (فَجَعَلْتُ لَا آلُو مَا جَعَلْتُ في بَطْنِي مِنُهُ) أي لا أقصِّر عن جهدي في الاستكثار من شربه.
          وفيه: علَمٌ عظيم من أعلام النُّبوَّة، وقد تقدَّم بيان هذا المعنى وما في نبع الماء من بين أصابع النَّبيِّ صلعم من عظم الآية، وشرف الخصوصيَّة في باب التماس الوضوء إذا حانت الصَّلاة في كتاب الوضوء، [خ¦169] فأغنى عن إعادته.(9)


[1] في (ص): ((حضرته)).
[2] في (ص): ((فأتي النبي صلعم به)).
[3] في (ص): ((وفرج بين أصابعه)).
[4] قوله: ((ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَي أَهْلِ....... بَيْنِ أَصَابِعِهِ)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ.....))(فعلمت أنه بركة) زيادة من (ص).
[6] في (ص): ((ومن)).
[7] في (ص): ((فيه)).
[8] قوله: ((قائمة)) ليس في (ص).
[9] زاد في (ص): ((والحمد لله وحده وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه)).