شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب آنية الفضة

          ░28▒ بَابُ آنِيَةِ الْفِضَّةِ.
          فيه: حُذَيْفَةُ، قَالَ النَّبيُّ صلعم(1): (لا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الْفِضَّةِ) الحديث(2). [خ¦5633]
          وفيه: أُمُّ سَلَمَةَ، قال النبي صلعم(3): (الذي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ). [خ¦5634]
          وفيه: الْبَرَاء: (أَمَرَنا النَّبيُّ ◙ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، عَنِ الشُّرْبِ في آنِيَةِ الْفِضَّةِ) الحديث. [خ¦5635]
          قد تقدَّم في الباب قبل هذا [خ¦5632] أنَّه لا يجوز الأكل والشُّرب في آنية الفضَّة والذَّهب(4).
          واختلفوا في الآنية المفضَّضة، فروي عن عائشة أنَّها نهت أن تضبَّب الآنية أو تحلِّقها بفضَّة. وكان ابن عمر لا يشرب في آنية فيها حلقة أو ضبَّة فضَّة. وهو قول عطاء وسالم وعروة بن الزُّبير، وبه قال مالك واللَّيث.
          ورخصَّت في ذلك طائفة، روي عن عِمْرَان بن حصين وأنس بن مالك أنَّهما أجازا الشُّرب في الإناء المفضَّض، وأجازه من التَّابعين: طاوس والحكم والنَّخعيُّ والحسن البصريُّ.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا بأس أن يشرب الرَّجل بالقدح(5) المفضَّض إذا لم يجعل فاه على الفضَّة كالشُّرب بيده وفيها الخاتم. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به إذا لم يجعل فاه على الفضَّة(6) وهو مثل العلم في الثَّوب، وبه قال إسحاق.
          وقال ابن المنذر: / ثبت أنَّ النَّبيَّ ◙ نهى عن آنية الفضَّة، والمفضَّض ليس بإناء فضَّة وكذلك المضبَّب، فالذي يحرم فيه الشُّرب ما نهى عنه النَّبيُّ صلعم ولا نُعصِّي من(7) شرب فيما لم ينه عنه. وقال أبو عبيدة نحوه.
          وفعل ابن عمر إنَّما هو محمول على التَّورُّع لا على التَّحريم، كما روي عنه أنَّه كان ينضح الماء في عينيه لغسل الجنابة، وليس ذلك بواجب عليه.
          وروى أبو نعيم قال: حدَّثنا شريك عن(8) حميد قال: رأيت عند أنس قدح النَّبيِّ صلعم فيه فضَّة أو شُدَّ(9) بفضَّة)). قال الطَّحاويُّ: لا(10) يخلو ذلك من أن(11) يكون في زمن النَّبيِّ صلعم أو أحدثه أنس بعده، فأيُّ ذلك كان فقد ثبت عن أنس إباحته لأنَّه كان يسقي النَّاس فيه تبرُّكا برسول الله صلعم، قال أبو عبيد: والجَرجَرة(12): صوت وقوع الماء في الجوف، وإنَّما يكون ذلك عند شدَّة الشُّرب، ومنه قيل للبعير إذا صاح: هو يجرجر.
          وقوله: (يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارُ جَهَنَّمَ) محمول عند أهل السُّنَّة على أنَّ الله تعالى في ذلك بالخيار لمن أراد أن ينفذ عليه الوعيد.


[1] في (ص): ((قال ◙)).
[2] قوله: ((الحديث)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((سلمة ان النبي صلعم قال)).
[4] قوله: ((قد تقدم في الباب قبل هذا أنه لا يجوز الأكل والشرب في آنية الفضة والذهب)) ليس في (ص).
[5] في (ز): ((على القدح)) والمثبت من (ص).
[6] قوله: ((كالشرب بيده وفيها الخاتم. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به إذا لم يجعل فاه على الفضة)). ليس في (ص).
[7] في (ص): ((ولا نعصي فيمن))، وفي النسخ كلها: ((نعصي)) بالنون، وفي «الإشراف» (8/199): ((يعصي)).
[8] في (ص): ((ابن)).
[9] في (ص): ((شبك)).
[10] في (ص): ((ولا)).
[11] في (ص): ((ذلك أن)).
[12] في (ص): ((الجرجرة)). في المطبوع: ((أبو عبيدة: الجرجرة)).