شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشرب في الأقداح

          ░29▒ بَابُ الشُّرْبِ مِنْ(1) قَدَحِ النَّبيِّ صلعم وَآنِيَتِهِ.
          قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ لِي ابْنُ سَلَامٍ: أَلا أَسْقِيكَ في(2) قَدَحٍ شَرِبَ مِنهُ النَّبيُّ صلعم(3).
          فيه: سَهْلٌ: (ذكرَ النَّبِيُّ امْرَأَةً(4) مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ(5) أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا(6)، فَقَدِمَتْ، فَنَزَلَتْ في أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، وذكر(7) الحديث إلى(8) قوله: اسْقِهم يَا سَهْلُ، فَأَخْرَجتُ(9) هَذَا الْقَدَحِ، فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ، فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَهَبَهُ لَهُ). [خ¦5637]
          وفيه عَاصِمٌ الأحْوَلُ: (رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبيِّ صلعم عِنْدَ أَنَسٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ، وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ). [خ¦5638]
          وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ(10) صلعم فَتَرَكَهُ.
          الشُّرب من قدح النَّبيِّ صلعم وآنيته من باب التَّبرُّك بالنَّبيِّ صلعم وامتثال فعله، كما كان ابن عمر يصلِّي في المواضع التي صلَّى فيها رسول الله صلعم، ويدوِّر ناقته حيث أدارها، تبرُّكًا بالاقتداء به(11)، وحرصًا على اقتفاء آثاره، ومن هذا الباب ما يفعله(12) النَّاس إلى اليوم من الدُّخول في الغار الذي اختفى فيه النَّبيُّ صلعم وأبو بكر الصِّدِّيق ☺ على صعوبة الارتقاء إليه والدُّخول فيه، وهذا كلُّه وإن كان ليس بواجب ولا لازم وإنَّما يحمل على فرط المحبَّة في النَّبيِّ صلعم والاغتباط بموافقته، وقد قال ◙: ((واللهِ لا يؤمنُ عبدٌ حتَّى أكونَ أحبَّ إليهِ مِنْ والِدِهِ وولَدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ)).
          وقوله: (قَدَحٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ) قال(13) صاحب «العين»: قدح من نضار _يتَّخذ(14) من أثل، ورسيِّ اللُّون_ وذهب نضار، والنُّضار: الخالص.
          والأُجُم: جمع أجمة، وهى الغياض(15).


[1] في (ص): ((في)).
[2] في (ص): ((من)).
[3] في (ص): ((شرب النبي صلعم فيه)).
[4] في (ص): ((ذكر للنبي امرأةٌ)).
[5] زاد في (ص): ((الساعدي)).
[6] زاد في (ص): ((فأرسل إليها)).
[7] قوله: ((وذكر)) ليس في (ص)، و فيه بدلها: ((فَخَرَجَ النبيُّ حَتَّى جَاءَهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا...)).
[8] قوله: ((إلى)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((فأخذت)).
[10] في (ص): ((النبي)).
[11] زاد في (ز): ((بالاقتفاء له)).
[12] في (ص): ((فعله)).
[13] صورتها في (ز): ((فقال)).
[14] في (ص): ((ويتخذ)).
[15] زاد في (ص): ((قال ابن الفاسي: النضار: عود أصفر يشبه لون الذهب، وهو أعمق العود)).