شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب ليعطى الأكبر؟

          ░19▒ بَابُ هَلْ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ مَنْ على يَمِينِهِ في الشُّرْبِ لِيُعْطِيَ الأكْبَرَ.
          فيه سَهْلٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: أَتَأْذَنُ أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟ فَقَالَ الْغُلامُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا،(1) فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ صلعم في يَدِهِ(2)). [خ¦5620]
          الغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عبَّاس، والأشياخ خالد بن الوليد، وقد نقل هذا من طرق، ورواه الحميديُّ عن سفيان قال: حدَّثنا عليُّ بن زيد بن جدعان عن عمر بن حرملة عن ابن عبَّاس قال: دخلتُ معَ رسولِ اللهِ صلعم على خالَتي ميمونَةَ ومعَنا خالدُ بنُ الوليدِ، فقدَّمَت إلينا ضِبابًا مشويَّةً، فلمَّا رآها رسولُ الله صلعم تفلَ ثلاثَ مرَّاتٍ ولم يأكلٍ منها، وأمرَنا أنْ نأكلَ، ثمَّ أتيَ رسولُ الله صلعم بإناءٍ فيهِ لبنٌ فشربَ(3) وأنا عَنْ يمينِهِ، وخالدٌ عَنْ يسارِهِ، فقالَ لي رسولُ الله صلعم: ((الشُّربةُ لكَ يا غلامُ وإنْ شئتَ آثرتَ بها خالدًا)). فقلت: ما كنتُ لأوثرَ بسؤرِ رسولِ اللهِ صلعم أحدًا. ثمَّ قالَ رسولُ الله صلعم: ((مَنْ أَطعَمَهُ اللهُ طعامًا فليقُلْ: اللَّهُمَّ باركَ لنا فيهِ وأبدَلَنا بهِ ما هوَ خيرٌ منهُ، ومَنْ سقاهُ لبنًا فليَقُلْ: اللَّهُمَّ باركَ لنا فيهِ(4) وزِدْنا منهُ، فإنِّي لا أعلمُ شيئًا يجزئُ مِنَ الطَّعامِ / والشَّرابِ غيرَهُ)).
          وفيه من الفقه: أنَّه من وجب له حقٌّ أنه لا يؤخذ منه إلَّا عن إذنه، فلذلك قال الغلام: (واللهِ يَا رسولَ اللهِ، لا أوثرُ بنصيبِي منكَ أحدًا) تبرُّكًا بفضله ◙.
          قال المُهَلَّب: واستئذانه صاحب اليمين من باب التَّأدب لفضل السِّن، فلو أذن الشَّاب الذي على اليمين لكان من المؤثرين على أنفسهم، وإذ لم يأذن وتشاحَّ في نصيبه من النَّبيِّ صلعم فله فضل ما شحَّ عليه من شريف المكان، وفي هذا دليل أنَّه من يسبق إلى مجالسة الإمام والعالم أنَّه لا يقام لمن هو أسنُّ منه، لأنَّ النَّبيَّ ◙ لمَّا لم يُقِم ذلك الأعرابيَّ لأبي بكر ولا الغلام للشَّيخ، علم أنَّ من سبق إلى الموضع عند العالم أو المسجد أو غيره ممَّا حقوق النَّاس فيه متساوية أنَّه أحقُّ به.
          قال غيره: وقوله: ((كبِّر كبِّر)) في غير هذا الحديث، إنَّما ذلك إذا استوت حال القوم في شيء واحد، فحينئذ يبتدأ بالأكبر، وأمَّا إذا كان لبعضهم على بعض فضل في شيء فصاحب الفضل أولى بالتَّقدمة، وسيأتي في كتاب المياه في باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيَّته جائزة شيء من الكلام في حديث سهلٍ، إن شاء الله(5). [خ¦2351]


[1] زاد في (ص): ((قال)).
[2] في (ص): ((يد)).
[3] قوله: ((فشرب)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((وأبدلنا به ما هو خير منه، ومن سقاه لبنًا فليقل: اللَّهُمَّ بارك لنا فيه)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((سهل بن يزيد)).