شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب شراب الحلواء والعسل

          ░15▒ بَابُ شُربِ الْحَلْوَى وَالْعَسَلِ.
          وَقَالَ الزُّهريُّ: لا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ لأنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ الله تعالى(1): {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة:4].
          وقَالَ(2) ابْنُ مَسْعُودٍ في السَّكَرِ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
          فيه: عَائِشَةُ(3): (كَانَ رسُولُ الله صلعم يُعْجِبُهُ الْحَلْوَى وَالْعَسَلُ). [خ¦5614]
          الحلوى: كلُّ شيء حلو.
          وفيه من الفقه: أنَّ الأنبياء والصَّالحين والفضلاء يأكلون الحلاوات والطَّيِّبات ولا يتركونها تقشُّفًا، وقد نزع ابن عبَّاس في أكل الطَّعام الطَّيِّب بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:32]ومدار الآية على أنَّ الطَّيِّبات الحلال، فكلُّ ما كان حلالًا حلوًا كان أو حامضًا فهو طيِّب لمن استطابه.
          وأمَّا أبوال النَّاس فهي مثل الميتة والخمر في التَّحريم، ولم يختلفوا في جواز أكل الميتة عند الضَّرورة، فكذلك البول، والفقهاء على خلاف قول ابن شهاب، وإنَّما اختلفوا في جواز شرب الخمر عند الضَّرورة، فقال مالك: لا يشربها لأنَّها لا تزيده إلَّا عطشًا وجوعًا. وأجاز أبو حنيفة أن يشرب منها مقدار ما يمسك رمقه.
          واحتجَّ من منع شربها بقول ابن مسعود: (إنَّ اللهَ لم يَجعَلْ شفاءَكُم فيما حرَّمَ علَيكُم). وقد روي هذا عن النَّبيِّ صلعم.
          واحتجَّ الكوفيُّون بأنَّ الضَّرورة أباحت أكل ما حرَّمه الشَّرع من الميتة والدَّم والبول وما لا ينقلب إلى حالة أخرى، فأن تبيح الخمر أولى؛ لأنَّها قد تنقل من حالها إلى حال التَّخليل.
          قال ابن القصَّار: وكان الشَّيخ أبو بكر الأبهريُّ يقول: إن دفعته إليها ضرورة يغلب على ظنِّه أنَّه يتخلَّص بشربها جاز؛ لأنَّه لو تغصَّص بلقمة في حلقه فلم يجد ما يدفعها به، واضطر أن يردَّها بالخمر جاز له ذلك، ولم يجز أن يمنعه من هذه(4) الحال فتصير كالميتة عند الضَّرورة. والأمر كما قال(5).


[1] في (ص): ((قال تعالى)).
[2] في (ص): ((قال)).
[3] زاد في (ص): ((قالت)).
[4] في (ص): ((حاله)).
[5] زاد في (ص): ((إن شاء الله)).