شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر

          ░3▒ بَابُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِي مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ.
          فيه أَنَسٌ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وأبيَّ بْنَ كَعْبٍ مِنْ فَضِيخِ وهو وتَمْر(1)، فَجَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ، فَأَهْرِقْهَا، فَأَهْرَقْتُهَا(2). [خ¦5582]
          وَقَال سليمانُ والدُ مُعْتَمِرٍ لأَنَسٍ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: رُطَبٌ وَبُسْرٌ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: وَهو خَمْرَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ. وحدَّثني(3) بَعْضُ أَصْحَابِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. [خ¦5583]
          وفيه: أَنَسٌ: أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ، وَالْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ مِنَ(4) الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. [خ¦5584]
          وهذا الباب أيضًا كالذي قبله حجَّة على العراقيِّين أنَّ الخمر من العنب وحده؛ لأنَّ الصَّحابة القدوة في علم اللِّسان، ولا يجوز عليهم أن يفهموا أنَّ الخمر إنَّما هي من العنب خاصَّة، ويهريقوا جرار الفضيخ وهى غير خمر، وقد نُهيَ عن إضاعة المال، وإنَّما هراقوها(5) لأنَّها الخمر المحرمَّة عندهم من غير شكٍّ، ولو شكُّوا في ذلك لسألوا النَّبيِّ صلعم عن عينها وما يقع عليه اسمها، وقد قال أنس: إنهم لم يعودوا فيها حتَّى لقوا الله.
          وقال(6) إسماعيل بن إسحاق: جاء في الآثار من تفسير الخمر ما هي، واللُّغة المشهورة والنَّظر ما يعرفه ذوو الألباب بعقولهم أنَّ كلَّ شيء أسكر فهو خمر، فأمَّا(7) كتاب الله فقوله ╡: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}[النحل:67]فعلم أنَّ السُّكر من العنب مثل السُّكر من النَّخل(8)، وقال تعالى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّيَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}[النساء:43]فنهي عن الصَّلاة في حال السُّكر، واستوى في ذلك السُّكر من ثمرات الأعناب والسُّكر من ثمرات النَّخيل، فكما كان السُّكر من ثمرات(9) النَّخيل والأعناب(10) منهيًّا عن الصَّلاة فيه(11)، فكذلك كانت الخمر من ثمرات النَّخيل والأعناب محرَّمة بهذه الآية، والله أعلم. /


[1] في (ز): ((من فضيخ رهو وتمر)) والمثبت من (ص).
[2] في (ص): ((فهرقتها)).
[3] في (ص): ((وحديث)).
[4] قوله: ((من)) ليس في المكف، و في المطبوع: ((من البسر والتمر)).
[5] في (ص): ((أهراقوها)).
[6] في (ص): ((قال)).
[7] في (ص): ((أما)).
[8] في (ص): ((النخيل)).
[9] قوله: ((الأعناب والسكر من ثمرات النخيل، فكما كان السكر من ثمرات)) ليس في (ز) وهو مثبت من (ص).
[10] زاد في (ز): ((محرمة)) والمثبت من (ص).
[11] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).