شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب شرب اللبن

          ░12▒ بَابُ شُرْبِ اللَّبَنِ، وَقَالَ تعالى: {مِنْ(1) بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ(2)}الآية[النحل:11].
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أُتِيَ النَّبيُّ صلعم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ(3) بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَقَدَحِ خَمْرٍ(4)). [خ¦5603]
          وفيه: أُمُّ الْفَضْلِ: (شَكَّ النَّاسُ في صِيَامِ النَّبيِّ صلعم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَن فَشَرِبَ). [خ¦5604]
          وفيه: جَابِرٌ: (جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ(5) لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله: أَلا خَمَّرْتَهُ؟ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا). [خ¦5605]
          وفيه: الْبَرَاءُ: (قَدِمَ النَّبيُّ صلعم مِنْ مَكَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ ☺ مَعَهُ، قَالَ(6) أَبُو بَكْرٍ: مَرَرْنَا بِرَاعٍ، وَقَدْ عَطِشَ النَّبيُّ صلعم، فَحَلَبْتُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ في قَدَحٍ، فَشَرِبَ النَّبيُّ صلعم(7) حَتَّى رَضِيتُ). الحديث(8). [خ¦5607]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِآخَرَ). [خ¦5608]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ، ومَضْمَضْنا(9)). [خ¦5609]
          وفيه: أَنَسٌ، قال: النَّبيُّ صلعم: (رُفِعْتُ ليَ(10) السِّدْرَةِ، فَإِذَا(11) أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ: فَنَهَرَانِ في الْجَنَّةِ، وَأُتِيتُ بِثَلاثَةِ أَقْدَاحٍ، قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الذي فِيهِ اللَّبَن، فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ(12) لِي: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ). [خ¦5610]
          قال المؤلِّف(13): شرب اللَّبن حلال بكتاب الله ╡، وليس قول من قال إنَّه يسكر الكثير منه بشيء؛ لأنَّ كلَّ ما أباح الله أكله وشربه فوقع منها(14) لشاربه أو آكله سكر فهو غير مأثوم؛ إلَّا أن يتعمَّد شربه لذهاب عقله دون منفعة يقصدها، فهو آثم لقصده إلى ذهاب عقله.
          قال المهلَّب(15): وإنَّما يكون السُّكر منه بصناعة تدخله، وإن وجد أحد يسكر منه فهي آفة في خلقته، وهذا في الشَّاذ والنَّادر، فلذلك لم يحكم فيه بحكم عامٍّ، وفي الآية دليل أنَّ الماء إذا خالطته نجاسة فتغيَّر ثمَّ قعدت عنه حتَّى صفا وحلا وطابت رائحته، أنَّه طاهر يجوز الوضوء به لقوله ╡: {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا}[النحل:66]فوصفه بالخلوص ممَّا خالطه من الدَّم وحثالة الفرث، وهذا دليل لازم، وقد روي عن مالك في حَبَابٍ(16) تقع فيها الدَّابة فتموت وتروث(17) فيها البقر والغنم والدَّواب حتَّى تنتن ثمَّ تسفي عليها الرِّياح حتَّى(18) تصفو وتطيب؛ أنَّه يجوز التَّوضُّؤ بمائها.
          والنَّهران الباطنان في الجنَّة إذا بدلَّت الأرض ظَهَرَا إن شاء الله، وأمَّا أخذه اللَّبن وما قيل له: (هُديتَ الفِطرَةَ) فهو من باب الفأل الحسن(19) لأنَّ اللَّبن أوَّل ما يفتح الرَّضيع إليه فمه، فلذلك سمِّي فطرة؛ لأنَّه فطر جوفه أي: شقَّه أوَّل شيء، فالفطور: الشُّقوق.
          وأمَّا قوله: (لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) فيه دليل على أنَّ الخمر كلَّها قليلها وكثيرها مقرون بها الغي، فيجب أن تكون حرامًا كلُّها، وإنَّما أتي بثلاثة أقداح وقيل له: خذ أيَّها أحببت، ليريه الله ╡ فضل تيسيره له، ولو أتي بقدح واحد لخفي / موضع التَّيسير عليه.
          وقوله: (فَحَلَبْتُ كُثْبَةً) قال صاحب «العين»: كلُّ ما جمعته من قليل فقد كثبته، وهى الكثبة، وسيأتي تفسير اللِّقحة الصَّفيِّ والشَّاة الصَّفيِّ في كتاب العارية والمنحة(20) إن شاء الله تعالى. [خ¦2629]


[1] في (ص): ((يخرج من)).
[2] قوله: ((للشاربين)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((ليلة أسري به)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((وقدح خمر)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((فيه)).
[6] في (ص): ((فقال)).
[7] قوله: ((النبي صلعم)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((الحديث)) ليس في (ص).
[9] زاد في (ص): ((وقال إن له دسمًا)). وقوله: ((ومضمضنا)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((دُفعت إلى)).
[11] في (ص): ((وإذا)).
[12] في (ص): ((فقال)).
[13] في (ص): ((المهلب)).
[14] في (ص): ((منه)).
[15] في (ص): ((المؤلف)).
[16] في (ص): ((حاف)).
[17] غير واضحة في (ز).
[18] قوله: ((تسفي عليها الرياح حتى)) ليس في (ص).
[19] قوله: ((الحسن)) ليس في (ص).
[20] في (ص): ((المنحة والعارية)).