شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرًا

          ░11▒ بَابُ مَنْ رَأَى أَنْ لا يَخْلِطَ الْبُسْرَ أو التَّمْرَ(1) إِذَا كَانَ مُسْكِرًا، وَأَلا يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ في إِدَامٍ
          فيه: أَنَسٌ: (إِنِّي لأسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءِ خَلِيطَ بُسْرٍ وَتَمْرٍ؛ إِذْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَذَفْتُهَا _وَأَنَا سَاقِيهِمْ وَأَصْغَرُهُمْ_ وَإِنَّا لنَعُدُّهَا يَوْمَئِذٍ الْخَمْرَ). [خ¦5600]
          وفيه: جَابِرٌ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ). [خ¦5601]
          وفيه: أَبُو قَتَادَة: (نَهَى النَّبيُّ صلعم أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حِدَةٍ). [خ¦5602]
          وترجم لحديث أنس(2) باب: خدمة الصِّغار الكبار.
          قال المُهَلَّب: قوله: (مَنْ رَأَى أَلَّا يَخلِطَ البُسرَ والتَّمرَ إِذَا كَانَ مُسكِرًا)، خطأ من البخاريِّ(3)، وليس(4) النَّهي عن الخليطين من جهة الإسكار؛ لأنَّ المسكر مأمور بهرقه قليله(5) وكثيره، وقد سئل الشَّافعيُّ عن رجل شرب خليطين مسكرًا فقال: هذا بمنزلة رجل أكل لحم خنزير ميِّت، فهو حرام من جهتين: الخنزير حرام والميتة حرام، والخليطان حرام والمسكر حرام.
          وإنَّما نهى عن الخليطين وإن لم يسكر واحد(6) منهما _والله أعلم_ من أجل خيفة إسراع السُّكر إليهما، وحدوث الشِّدَّة فيهما، وأنَّهما يصيران خمرًا وهم لا يظنُّون، وقد روي هذا عن اللَّيث، وجمهور العلماء قائلون بهذه الأحاديث في النَّهي عن الخليطين(7) من جميع الأشربة، وأن ينبذ كلُّ واحد على حدته(8)، وممَّن روي عنه ذلك من الصَّحابة: أبو مسعود الأنصاريُّ وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدريُّ. ومن التَّابعين: عطاء وطاوس. وبه قال مالك واللَّيث والشَّافعيُّ وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
          وروي عن اللَّيث بن سعد أنَّه قال: لا بأس أن يخلط نبيذ الزَّبيب ونبيذ التَّمر ثمَّ يشربان جميعًا، وإنَّما جاء الحديث في النَّهي أن ينبذا جميعًا؛ لأنَّ أحدهما يشدَّ الآخر(9).
          وخالفه مالك والشَّافعيُّ، فلم يريا أن يخلطا عند شرب ولا عند(10) انتباذ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة، قالا: وكلُّ ما لو طبخ على الانفراد حلَّ، كذلك هو إذا طبخ مع غيره، قالوا: روي مثل قولنا عن ابن عمر والنَّخعيِّ.
          قال الطَّحاويُّ: ومعنى النَّهي عن الخليطين: على وجه السَّرف لضيق ما كانوا فيه من العيش، كما روى حنظلة بن سُحَيم قال: أصابتنا سنة فرآنا ابن عمر ونحن نأكل التَّمر، فقال لنا: لا تقرنوا؛ ((فإنَّ رسول الله نهى عن القران))، قال ابن عمر: إلَّا أن يستأذن الرَّجل أخاه. وهذا معنى النَّهي عن الخليطين عندهم؛ لأنَّ كلَّ واحد على حياله يجوز شربه، كما يجوز أكل كلِّ تمرة على حيالها(11).
          قال غيره: والمعروف عن ابن عمر خلاف ما حكاه الطَّحاويُّ عنه؛ لأنَّه كان أشدَّ النَّاس اتِّباعًا لآثار النَّبيِّ صلعم فلم يكن ليخالفه، وقد روي عن ابن عمر أنَّه كان ينبذ التَّمر، فينظر إلى التَّمرة بعضها بُسرة وبعضها رطبة فيقطعها ولا ينبذها كلَّها كراهية أن يواقع نهي النَّبيِّ صلعم / عن الخليطين.
          وأمَّا قياسهم أنَّ ما حلَّ على الانفراد حلَّ مع غيره، فلا قياس لأحد، ولا رأي مع مخالفة السُّنَّة، ومن خالفها(12) فمحجوج بها.
          قال ابن المنذر: يقال للكوفيِّين: إذا جاز نكاح المرأة ونكاح أختها منفردتين، فليس بالجمع(13) بينهما بأس، فإن قال: حرِّم(14) الجمع بين الأختين، قيل: وكذلك حرَّم النَّبيُّ صلعم الجمع بين البُسر والتَّمر، والزَّبيب والتَّمر، وقال: ((ليُنبَذْ كلُّ واحدٍ على حدةٍ)) وكذلك الجواب في الجمع بين العمَّة وبين بنت أخيها.
          قال المُهَلَّب: ولا يصحُّ عن النَّبيِّ صلعم النَّهي عن خلط الأدم، وإنَّما روي ذلك عن عمر، وذلك من أجل السَّرف لأنَّه كان يمكن أن يأتدم بأحدهما، ويرفع الآخر إلى مرَّة أخرى، وستأتي هذه المسألة في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى. [خ¦5449]


[1] في (ص): ((والتمر)).
[2] زاد في (ص): ((ابن مالك)).
[3] زاد في (ص): ((وليس مما قصد البخاري أنهما مما يسكرا في الحال، وإنما أراد أنهما مما يؤول حالهما إلى السكر)).
[4] قوله: ((وليس)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((قليله)) ليس في (ز).
[6] في (ص): ((أحد)).
[7] في (ص): ((الأحاديث في الخليطين)).
[8] في (ص): ((جهته)).
[9] في (ص):((صاحبه)).
[10] قوله: ((عند)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((كل ثمرة على حالها)).
[12] في (ص): ((يخالفها)).
[13] في (ص): ((في الجمع)).
[14] في (ص): ((حرم الله)).