عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في قاتل النفس
  
              

          ░83▒ (ص) باب مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء مِنَ الأخبارِ في حقِّ قاتلِ النَّفس، قيل: مقصودُ الترجمة حُكمُ قاتل النَّفس، / والمذكورُ في الباب حكمُ قاتلِ نفسِه، فهو أخصُّ مِنَ الترجمة، ولكنَّه أراد أن يُلحِقَ بقاتل نفسه قاتلَ غيره مِن بابِ الأَولى.
          قُلْت: قوله: (قَاتِلِ النَّفْسِ) أعمُّ مِن أن يكون قاتلُ نفسه، أو قاتل غيره، فهذا اللَّفظ يشمل القسمين، فلا يحتاج في ذلك إلى دعوى الأخصيَّة، ولا إلى إلحاقِ قاتل الغير بقاتلِ نفسه، ولا يلزمُ أن يكون حديثُ الباب طِبق الترجمةِ مِن سائر الوجوه، بل إذا صدق الحديثُ في جزءٍ ما؛ صدقت عليه الترجمة، كفى.
          وقيل: عادة البُخَاريِّ إذا توقَّف في شيءٍ ترجم عليه ترجمةً مبهمةً، كأنَّه ينبِّه على طريق الاجتهاد، وقد نُقِلَ عن مالكٍ أنَّ قاتل النفسِ لا تُقبل توبته، ومقتضاه ألَّا يُصلى عليه.
          قُلْت: لا نسلم أنَّ هذه الترجمةَ مبهمة، والإبهام مِن أين جاء، وهي ظاهرةٌ في تناولها القسمين المذكورين كما ذكرنا؟ وقال بعضهم: لعلَّ البُخَاريَّ أشار بذلك إلى ما رواه أصحاب السُّنن مِن حديث جابر بن سَمُرة ☺ : أنَّ النَّبِيَّ صلعم أُتِيَ برجلٍ قَتَل نفسَه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه، وفي رواية للنَّسائيِّ: «أَمَّا أنا فلا أصلِّي عليه» لكنَّه لمَّا لم يكن على شرطِه أومأ إليه بهذه الترجمة، وأورد فيها ما يُشبهه مِن قصَّة قاتل نفسه.
          قُلْت: توجيه كلامِ البُخَاريِّ في الترجمة بالتخمين لا يفيد، وكلامه ظاهرٌ لا يحتاج إلى هذا التكلُّف، والوجه ما ذكرناه.