عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب التكبير على الجنازة أربعا
  
              

          ░64▒ (ص) بَابُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا.
          (ش) أي: هذا بَابٌ في بيان: أنَّ التَّكْبِيرَ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، وقد استقصينا الكلامَ في عدد تكبيرات الجنازة في (باب الصفوف على الجنازة).
          (ص) وَقَالَ حُمَيْدٌ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ، فَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ.
          (ش) مطابقته للترجمة ظاهرة.
          و(حُمَيْدٌ) هذا هو حُمَيْدُ بْنُ أَبْي حُمَيْدٍ الطويل الخُزَاعِيُّ البَصْريُّ، واختلفوا في اسم أبي حُمَيدٍ؛ فقيل: داود، وقيل: تِيرَوَيهِ، وقيل: زَاذَويه، وقيل: عبد الرَّحْمَن، وقيل: طُرْخَان، وقيل: مِهْرَان.
          وهذا التَّعليقُ أخرجه عبدُ الرَّزَّاق من غير طريق حُمَيدٍ، وذلك عن معمرٍ عن قتادة عن أنسٍ: أنَّهُ كبَّر على جنازةٍ ثلاثًا، ثُمَّ انصرف ناسيًا، فقالوا: يا أبا حمزة؛ إنَّك كبَّرت ثلاثًا؟ قال: فَصُفُّوا، فَصَفُّوا، فكبَّر الرابعةَ.
          فَإِنْ قُلْتَ: رُوِيَ عن أنسٍ الاقتصارُ على ثلاثٍ، قال ابنُ أبي شَيْبَةَ في «مُصنَّفه» مِن طريق معاذٍ عن عِمْرَان بن حُدَيرٍ قالَ: صلَّيتُ معَ أنس بن مالك على جنازةٍ، فكبَّر عليها ثلاثًا لم يزِدْ عليها، وروى ابنُ المنذر من طريق حمَّاد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاقَ قال: قيل لأنس: إنَّ فلانًا كبَّر ثلاثًا، قالَ: وهل التكبيرُ إلَّا ثلاثًا؟
          قُلْت: يمكن التوفيقُ بأن يكونَا واقعتَين؛ لتغايرهما، ففي الأولى كان يرى الثَّلاث مُجزِئَةً، ثُمَّ استقرَّ على الأربعِ لمَّا ثبت عنده أنَّ الذي استقرَّ عليه جماهيرُ الصَّحابة هو الأربعُ، وقال صاحب «التَّلويح»: ويحمل على أنَّ إحدى الروايتين وَهَمٌ.
          قُلْتُ: هذا الحملُ غيرُ مُوَجَّهٍ، والأحسنُ ما قلناه. وأَمَّا قوله: (وهل التكبيرُ إلَّا ثلاث؟) يعني: غير تكبيرة الافتتاح، كما ذكرنا فيما مضى عن يحيى بن أبي إسحاقَ: أنَّ أنسًا قال: أوَليسَ التكبيرُ ثلاثًا؟ فقيلَ له: يا أبا حمزة؛ التكبيرُ / أربعٌ، قال: أجل؛ غيرَ أنَّ واحدةً افتتاحُ الصَّلاةِ.
          قوله: (فَكَبَّرَ ثَلَاثًا) أي: ثلاثَ تكبيراتٍ.
          قوله: (فَقِيلَ لَهُ) أي: قيل له: كبَّرتَ ثلاثًا.
          قوله: (ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ) أي: التَّكبيرةَ الرَّابعةَ، وقال ابن حبيب: إذا ترك بعضَ التَّكبيرِ جهلًا أو نسيانًا أتمَّ ما بقي مِنَ التكبير وَإن رُفِعَتْ إذا كان بقربِ ذلك، فإن طالَ ولم يُدْفَنْ أُعِيدَتِ الصَّلاةُ عليها، وإن دُفِنَت تُرِكَت، وفي «العُتبيَّة» نحوُه عن مالكٍ، وقال صاحب «التوضيح»: وعندنا خلافٌ في البطلانِ إذا رُفِعَتْ في أثناءِ الصلاة، والأصحُّ الصِّحَّة، وإن صلَّى عليها قبلَ وضعِها؛ ففي الصِّحَّة وجهان، وعندنا: كلُّ تكبيرةٍ قائمةٌ مَقامَ ركعةٍ، حَتَّى لو ترك تكبيرةً منها لا تجوز صلاتُه، كما لو تركَ ركعةً؛ ولهذا قيل: أربعٌ كأربع الظهر، والمسبوق بتكبيرة أو أكثر يقضيها بعدَ السلامِ ما لم تُرفَعِ الجنازة، ولو رُفِعَتْ بالأيدي ولم تُوضَع على الأكتاف؛ يُكَبِّر [في ظاهرِ الرواية، وعن مُحَمَّد: إن كانت إلى الأرضِ أقربَ؛ يُكبِّر]، وإن كانت إلى الأكتاف أقربَ؛ لا يُكبِّر، وقيل: لا يقطع حَتَّى يتباعدَ، وفي «الإشراف»: قالَ ابن المُسَيَّـِبِ، وعطاءٌ، والنخَعيُّ، والزُّهْريُّ، وابن سِيرِين، والثَّوْريُّ، وقتادة، ومالك، وأحمدُ في رواية، وإسحاق والشَّافِعِيُّ: المسبوقُ يقضي ما فاتَه متتابعًا قبل أن تُرفَع الجنازة، فإذا رُفِعَتْ سَلَّمَ وانصرفَ، كقولِ أصحابنا، قال ابنُ المنذر: وبه أقولُ، وقال ابن عمر: لا يقضي ما فاته مِنَ التَّكبير، وبه قال الحسن البَصْريُّ، والسَّخْتيَانيُّ، والأوزاعيُّ، وأحمد في رواية، ولو جاءَ وكبَّر الإمامُ أربعًا ولم يسلِّم؛ لم يدخل معه، وفاتتَه الصلاة، وعند أبي يوسف والشَّافِعِيِّ: يدخل معه، ويأتي بالتكبيرات نسقًا إن خافَ رفع الجنازة، وفي «المحيط»: وعليه الفتوى.