عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: رثاء النبي سعد بن خولة
  
              

          ░36▒ (ص) باب رِثَاءِ النَّبِيِّ صلعم سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان رِثَاءِ النَّبِيِّ صلعم .
          (الرِّثاء) بكسر الراء وتخفيف الثاء المُثَلَّثة ممدودًا، مِن رَثَيتُ الميِّت مَرثيَةً؛ إذا عَدَدتَ محاسنه، و(رثأت) بالهمزة لغةٌ فيه، ويُروى: <بابٌ رَثَى النَّبِيُّ صلعم [سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ> بلفظِ الماضي، فعلى هذا لفظ (بابٌ) منوَّنٌ مقطوعٌ عن الإضافة، ويُروى: <بابُ رِثَى النَّبِيِّ صلعم >] بالقصر، و(سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ) منصوبٌ على كلِّ حالٍ على المفعوليَّة، وفي الوجهينِ المصدرُ مضافٌ إلى فاعله؛ وهو لفظ (النَّبِيِّ) مجرورٌ بالإضافة، وفي الوجه الثالث _وهو كونُه ماضيًا_ يكون لفظ (النَّبِيُّ) مرفوعًا على الفاعليَّة، وذكر الكَرْمَانِيُّ وجهًا آخَر؛ وهو أن تكون الراءُ مفتوحةً والثاء ساكنةً وفي آخِره ياءٌ، مصدرٌ مِن رثى يرثي رَثْيًا.
          فَإِنْ قُلْتَ: روى أحمد وابن ماجه مِن حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله صلعم عن المَراثي، وصحَّحه الحاكم، فإذا نهى عنه كيف يفعلُهُ؟
          قُلْت: ليس مراده مِن هذه الترجمة أنَّهُ مِن باب المَراثي، وإِنَّما هو إشفاقٌ مِنَ النَّبِيِّ صلعم مِن موتِ سعد بن خولة بِمَكَّةَ بعد هجرته عنها، فكأنَّه توجَّع عليه وتَحزَّن مِن ذلك، وهذا مثل قول القائل للحيِّ: أنا أرثي لك مِمَّا يجري عليكَ، كأنَّه يتحزَّنُ له، وأيضًا فقد ذَكَرَ القرطبيُّ أنَّ الذي قال: (يرثي له رسولُ الله صلعم ) غير النَّبِيِّ صلعم هذا ظاهره، وقيل: هو مِن قول سعد بن أبي وَقَّاصٍ، جاء ذلك في بعض طُرُقه، وأكثر النَّاس أنَّ ذلك مِن قول الزُّهْريِّ، و(سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) بفتح الخاء المُعْجَمة وسكون الواو، من بني عامر بن لؤيٍّ، وقيل: حليفٌ لهم، وقيل: مولى ابن أبي رهم العامريِّ مِنَ السابقين، بدريٌّ توفِّي عن سُبَيعة الأسلميَّة سنة عشرٍ بِمَكَّةَ.