-
خطبة الشارح
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب صفة الصلاة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
حديث: أتاني آت من ربي فأخبرني أنه من مات من أمتي
-
حديث: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار
-
باب الأمر باتباع الجنائز
-
باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه
-
باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه
-
باب الإذن بالجنازة
-
باب فضل من مات له ولد فاحتسب
-
باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري
-
باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر
-
باب ما يستحب أن يغسل وترا
-
باب: يبدأ بميامن الميت
-
باب مواضع الوضوء من الميت
-
باب: هل يكفن المرأة في إزار الرجل
-
باب: يجعل الكافور في آخره
-
باب نقض شعر المرأة
-
باب: كيف الإشعار للميت؟
-
باب: هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون؟
-
باب: يلقى شعر المرأة خلفها
-
باب الثياب البيض للكفن
-
باب الكفن في ثوبين
-
باب الحنوط للميت
-
باب: كيف يكفن المحرم؟
-
باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف
-
باب الكفن بغير قميص
-
باب الكفن بلا عمامة
-
باب الكفن من جميع المال
-
باب: إذا لم يوجد إلا ثوب واحد
-
باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى بة رأسه
-
باب من استعد الكفن في زمن النبي فلم ينكر عليه
-
باب اتباع النساء الجنازة
-
باب إحداد المرأة على غير زوجها
-
باب زيارة القبور
-
باب قول النبي: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه
-
باب ما يكره من النياحة على الميت
-
باب
-
باب: ليس منا من شق الجيوب
-
باب: رثاء النبي سعد بن خولة
-
باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة
-
باب: ليس منا من ضرب الخدود
-
باب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة
-
باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن
-
باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة
-
باب الصبر عند الصدمة الأولى
-
باب قول النبي: إنا بك لمحزونون
-
باب البكاء عند المريض
-
باب ما ينهى عن النوح والبكاء والزجر عن ذلك
-
باب القيام للجنازة
-
باب متى يقعد إذا قام للجنازة؟
-
باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال
-
باب من قام لجنازة يهودي
-
باب حمل الرجال الجنازة دون النساء
-
باب السرعة بالجنازة
-
باب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني
-
باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام
-
باب الصفوف على الجنازة
-
باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز
-
باب سنة الصلاة على الجنائز
-
باب فضل اتباع الجنائز
-
باب من انتظر حتى تدفن
-
باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز
-
باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد
-
باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور
-
باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها
-
باب: أين يقوم من المرأة والرجل؟
-
باب التكبير على الجنازة أربعا
-
باب قراءة الفاتحة الكتاب على الجنازة
-
باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن
-
باب الميت يسمع خفق النعال
-
باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها
-
باب الدفن بالليل
-
باب بناء المسجد على القبر
-
باب من يدخل قبر المرأة
-
باب الصلاة على الشهيد
-
باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد
-
باب من لم ير غسل الشهداء
-
باب من يقدم في اللحد
-
باب الإذخر والحشيش في القبر
-
باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟
-
باب اللحد والشق في القبر
-
باب: إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه
-
باب: إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله
-
باب الجريد على القبر
-
باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله
-
باب ما جاء في قاتل النفس
-
باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين
-
باب ثناء الناس على الميت
-
باب ما جاء في عذاب القبر
-
باب التعوذ من عذاب القبر
-
باب: عذاب القبر من الغيبة والبول
-
باب الميت يعرض عليه بالغداة والعشي
-
باب كلام الميت على الجنازة
-
باب ما قيل في أولاد المسلمين
-
باب ما قيل في أولاد المشركين
-
باب
-
باب موت يوم الاثنين
-
باب موت الفجأة البغتة
-
باب ما جاء في قبر النبي وأبى بكر وعمر
-
باب ما ينهى من سب الأموات
-
باب ذكر شرار الموتى
-
حديث: أتاني آت من ربي فأخبرني أنه من مات من أمتي
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
كتاب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب العدة
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
كتاب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░8▒ (ص) باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ.
(ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم غُسْل الميت... إلى آخره.
وهذه الترجمة مشتملةٌ على أمورٍ:
الأَوَّل: في غُسْلِ الميت، هل هو فرضٌ أو واجبٌ أو سنَّةٌ؟ فقال أصحابنا: هو واجبٌ على الأحياء بالسُّنَّة وإجماع الأُمَّة؛ أَمَّا السنةُ: فقوله صلعم : «للمسلم على المسلمِ ستَّة حقوق...» وذكر منها: (إذا مات أن يُغَسِّله)، وأجمعت الأُمَّة على هذا، وفي «شرح الوجيز»: الغُسل والتكفين والصلاة فرضُ الكفاية بالإجماع، وكذا نَقَلَ النَّوَوِيُّ الإجماع على أنَّ غُسل الميِّت فرض كفايةٍ، وقد أنكر بعضهم على النَّوَوِيِّ في نقله هذا، فقال: وهو ذهولٌ شديدٌ، فإنَّ الخلاف مشهورٌ جدًّا عند المالكيَّة، حَتَّى إنَّ القرطبيَّ رجَّح في «شرح مسلمٍ» أنَّهُ سُنَّة، ولكنَّ الجمهور على وجوبه انتهى.
قُلْت: هذا ذهولٌ أشدُّ مِن هذا القائل! حيث لم ينظر إلى معنى الكلام، فإنَّ معنى قوله: (سُنَّة) أي: سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهي في قُوَّة الوجوب، حَتَّى قال هو: وقد رَدَّ ابن العربيِّ على مَن لم يقل بذلك _أي: بالوجوب_ وقال: توارد به القولُ والعمل، وغُسِّلَ الطاهرُ المطهَّر، فكيف بِمَن سواه؟!
الثاني: في أصل وجوبِ غُسل الميِّت ما رواه عبد الله بن أحمد في «المسند»: أنَّ آدم ◙ غَسَّلته الملائكة وكفَّنوه وحنَّطوه وحفروا له وألحدوا وصلَّوا عليه، ثُمَّ دخلوا قبره فوضعوه فيه، ووضعوا عليه اللَبِن، ثُمَّ خرجوا مِن قبره، ثُمَّ حثوا عليه التراب، ثُمَّ قالوا: يا بني آدم هذه سبيلكم، ورواه البَيْهَقيُّ بمعناه.
الثالث: في سببِ وجوبِ غُسل الميت، فقال بعضهم: هو الحَدَث، فإنَّ الموت سببٌ لاسترخاء مفاصله، وقال الشيخ أبو عبد الله الجُرْجَانِيُّ وغيره مِن مشايخ العراق: إِنَّما وجب لنجاسة الموت؛ إذ الآدميُّ له دمٌ مسفوحٌ كسائر الحيوانات، ولهذا يتنجَّس البئر بموته فيها، وفي «البدائع» عن مُحَمَّد بن الشجاع البجليِّ: أنَّ الآدميَّ لا ينجس بالموت كرامةً له؛ لأنَّه لو تنجَّس لَمَا حُكِمَ بطهارته بالغُسل؛ كسائر الحيوانات التي حُكِمَ بنجاستها بالموت، / وسيأتي قول ابن عَبَّاس: إنَّ المؤمن لا ينجسُ حيًّا وميتًا، وقال بعض الحنابلة: ينجس بالموت، ولا يطهر بالغسل، وينجُسُ الثوب الذي ينشف به كسائر الحيوانات الميِّتات، وهذا باطلٌ بلا شكٍّ وخرقٌ للإجماع.
الرابع: في وضوء الميت؛ فوضوءه سُنَّة كما في الاغتسال في حالة الحياة، غير أنَّهُ لا يُمَضمض ولا يُستَنشق عندنا؛ لأنَّه متعسِّرٌ، وقال صاحب «المُغني»: ولا يُدخَلُ الماء فاه ولا منخريه في قولِ أكثر أهلِ العلم، وهو قول سعيد بن جُبَير والنخعيِّ والثَّوْريِّ وأحمد، وقال الشَّافِعِيُّ: يُمَضمَضُ ويُستَنْشَق كما يفعل الحيُّ، وقال النَّوَوِيُّ: المضمضة جعل الماء في فِيه.
قُلْت: هذا خلاف ما قاله أهل اللغة؛ فقال الجَوْهَريُّ: المضمضةُ تحريكُ الماء في الفم، وإمام الحرمين لم يُصوِّبْ مَن قال مثل ما قال النَّوَوِيُّ.
الخامس: في الماء والسِّدر، فالحكم فيه عندنا أنَّ الماء يُغْلَى بالسِّدر أو بالحرض _وهو الأشنان_ مبالغةً في التنظيف، فإن لم يكن السِّدر أو الأشنان؛ فالماء القَرَاح، وذُكِرَ في «المحيط» و«المبسوط»: أنَّهُ يُغَسَّل أَوَّلًا بالماء القَراح، ثُمَّ بالماء الذي يطرح فيه السِّدر، وفي الثالثة يجعل الكافور في الماء ويُغَسَّل، هكذا رُوِيَ عن ابن مسعودٍ ☺ ، وعند سعيد بن المُسَيَّـِبِ والنخَعيِّ والثَّوْريِّ: يُغَسَّل في المرة الأولى والثانية بالماء القَراح، والثالثة بالسِّدر، وقال الشَّافِعِيُّ: يختصُّ السِّدرُ بالأولى، وبه قال ابن الخَطَّاب مِنَ الحنابلة، وعن أحمد: يُستَعملُ السِّدر في الثلاث كلِّها، وهو قول عطاء وإسحاق وسليمان بن حَرْب، وقال القرطبيُّ: يُجعَلُ السِّدرُ في ماءٍ ويُخضخَض إلى أن تخرُجَ رغوتُه، ويُدلَك به جسده، ثُمَّ يُصَبُّ عليه الماء القَراح، فهذه غسلةٌ، وكرهت الشَّافِعِيَّةُ وبعضُ الحنابلة الماء المُسَخَّن، وخَيَّره مالكٌ، ذكره في «الجواهر»، وفي «الحِلْية» مِن كُتب الشَّافِعِيَّة: قيل: المُسَخَّن أَولى بكلِّ حالٍ، وهو قول إسحاق، وفي «الدراية»: وعند الشَّافِعِيِّ وأحمد: الماء البارد أفضلُ إلَّا أن يكون عليه وسخٌ أو نجاسةٌ لا تزول إلَّا بالماء الحارِّ، أو يكون البرد شديدًا.
فَإِنْ قُلْتَ: الوضوء مذكورٌ في الترجمة، ولم يَذكُر له حديثًا.
قُلْت: اعتَمَد على المعهود مِنَ الاغتسال عنِ الجنابة، ويمكن أن يقال: إنَّهُ اعتَمَد على ما ورد في بعضِ طُرُق حديث الباب؛ حديث أمِّ عطيَّة: «ابدأْنَ بميامنها ومواضع الوضوء منها»، وقيل: أراد وضوء الغاسل؛ أي: لا يلزمه وضوء.
قُلْت: هذا بعيدٌ؛ لأنَّ الغاسَل لم يُذكَر فيما قبله، ولا يعود الضَّمير في قوله: (وَوَضُوئه) إلَّا إلى الميِّت، وَوَجَّه بعضهم هذا فقال: إلَّا أن يقال: تقدير الترجمة: باب غسل الحيِّ الميِّتَ؛ لأنَّ الميِّتَ لا يتولَّى ذلك بنفسه، فيعود الضمير على المحذوف.
قُلْت: هذا عسفٌ وإن كان له وجهٌ مَعَ أنَّ رجوعَ الضَّمير إلى أقرب الشيئين إليه أولى.
(ص) وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ ☻ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ.
(ش) مطابقته للترجمة تؤخذ مِن موضعين:
الأَوَّل: مِن قوله: (حَنَّطَ) لأنَّ التحنيط يستلزمُ الغسل؛ فكأنَّه قال: غَسَّله وَحَنَّطَه، وهو مطابقٌ لقوله: (باب غَسْلُ الميت).
والثاني: مِن قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأ) لأنَّا قد ذكرنا أنَّ الضمير في قوله: (وَوُضُوئه) يرجع إلى المَيِّت، وقوله: (لَمْ يَتَوَضَّأ) يدلُّ على أنَّ الغاسِلَ ليس عليه وضوء، فوقع التطابق مِن هذه الحيثيَّة، وقال بعضهم: وقد تَعْلق هذا الأثر وما بعده بالترجمة مِن جهة أنَّ المصنِّف يرى أنَّ المؤمِنَ لا ينجُسُ بالموت، وأنَّ غُسله إِنَّما هو للتعبُّد؛ لأنَّه لو كان نجسًا لم يطهِّره الماء والسدر، ولا الماء وحده، ولو كان نجسًا ما مسَّه ابن عمر، وَلَغَسل ما مَسَّه مِن أعضائه.
قُلْت: ليس بَينَ هذا الأثر وبين الترجمة تَعَلُّقٌ أصلًا مِن هذه الجهة البعيدة، والذي ذكرناه هو الأوجه، نعم؛ هذا الذي ذكره يصلح أن يكون وجهَ التطابق بين الترجمة وبين أثرِ ابن عَبَّاس الآتي؛ لأنَّ إيراده أثرَ ابن عَبَّاسٍ في هذا الباب يدلُّ على أنَّهُ يرى فيه رَأيَ ابن عَبَّاسٍ، ويُفهَمُ منه أنَّ غسل الميِّت عنده أمرٌ تعبُّديٌّ، وإن كان قوله: (باب غسل الميت) أعمُّ مِن ذلك، لكنَّ إيراده أَثَرَ ابن عَبَّاسٍ وأثر سعدٍ، والحديثُ المُعَلَّق يدلُّ على ذلك؛ فافهم.
وقال هذا القائل أيضًا: وكأنَّه أشار إلى تضعيف ما أخرجه أبو داود مِن طريق عَمرو بن عُمير عن أبي هُرَيْرَة مرفوعًا: «مَن / غَسَّل الميتَ فليغتسل، وَمَن حَمَلَهُ فليتَوَضَّأ» رواته ثِقاتٌ إلَّا عَمْرو بن عُمَيْر فليس بمعروفٍ، وروى التِّرْمِذيُّ وابن حِبَّان مِن طريق سُهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَة نحوه، وهو معلولٌ؛ لأنَّ أبا صالحٍ لم يسمعه مِن أبي هُرَيْرَة، وقال ابن أبي حاتم: «عن أبيه _الصَّواب_ عن أبي هُرَيْرَة» موقوفٌ، وقال أبو داود بعد تخريجه: هذا منسوخٌ ولم يُبَيَّن ناسخه، وقال الذهليُّ فيما حكاه الحاكم في «تاريخه»: ليس فيمَن غَسَّل ميتًا فليتغسل حديثٌ ثابتٌ انتهى.
قُلْت: أَيْش وَجهُ إشارة البُخَاريِّ بهذه الترجمة إلى تضعيفِ الحديث المذكور؟ فأيُّ عبارةٍ تدلُّ على هذا بدلالة مِن أنواع الدلالات، وهذا كلامٌ واهٍ.
قُلْت: أَمَّا حديث أبي داود فقد قال في «سُنَنِهِ»: حدَّثنا أحمد بن صالح: حَدَّثنا ابن أبي فُدَيك: حدَّثني ابن أبي ذئبٍ عن القاسم بن عَبَّاسٍ عن عَمرو بن عُمير عن أبي هُرَيْرَة: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «مَن غَسَّل الميت...» الحديث، و(ابن أبي فُدَيك) هو مُحَمَّد بن إسماعيل بن أبي فُدَيك، و(ابن أبي ذئبٍ) مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن المغيرةِ بن الحارثِ بن أبي ذئبٍ، و(عَمْرُو بْنُ عُمَيْر) بفتح العين في الابن، وضمِّها في الأب.
قُلْت: قوله: (عَمْرو بن عُمَيْر ليس بمعروفٍ) إشارةٌ إلى تضعيف الحديث، فهذا أبو داود قد رَوَى له وسكتَ عليه، فدلَّ على أنَّهُ قد رَضِي به، ولكنَّه قال: هذا منسوخٌ، فَرَدُّه هذا الحديث لم يكن إلَّا مِن جهة كونه منسوخًا، ثُمَّ قال هذا القائل: (ولم يبيِّن ناسخه).
قُلْت: بتركه بيانَ الناسخ لا يلزمُ تضعيف الحديث، والنَّسخ يُعلَم بأمور؛ منها: تركُ العمل بالحديث، فَإِنَّهُ يدل على وجودِ ناسخٍ، وإن لم يطَّلع عليه.
وأَمَّا حديث التِّرْمِذيِّ فقد قال: حدَّثنا مُحَمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب: حدَّثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَة عن النَّبِيِّ صلعم قال: «مَن غَسلِه الغسل، ومِن حملِه الوضوء» يعني: الميِّت، وقال: حديث أبي هُرَيْرَة حديثٌ حسنٌ، وقد رُوِيَ عن أبي هُرَيْرَة موقوفًا، ثُمَّ قال: وقد اختلف أهلُ العلم في الذي يُغَسِّل الميِّت، فقال بعض أهل العلم مِن أصحاب النَّبِيِّ صلعم وغيرهم: إذا غَسَّل ميِّتًا فعليه الغسل، وقال بعضهم: عليه الوضوء، وقال مالك بن أنسٍ: استُحِبَّ الغُسل مِن غَسْلِ الميِّت، ولا أرى ذلك واجبًا، وهكذا قال الشَّافِعِيُّ، وقال أحمد: مَن غَسَّل ميتًا أرجو ألَّا يجب عليه الغسل، فأَمَّا الوضوء فأقلُّ ما فيه، وقال إسحاق: لا بُدَّ مِنَ الوضوء، وقد رُوِيَ عن عبد الله بن المبارك أنَّهُ قال: لا تغتسل ولا تتَوَضَّأ مِن غسل المَيِّت، وقال التِّرْمِذيُّ: وفي الباب عن عليٍّ وعائشة.
قُلْت: كلاهما عند أبي داود، وفي الباب عن حذيفة عند البَيْهَقيِّ بإسنادٍ ساقطٍ، وقال مالكٌ في «العتبيَّة»: أدركتُ النَّاسَ على أنَّ غاسلَ الميِّت يغتسِلُ، واستحسنه ابن القاسم وأشهب، وقال ابن حبيب: لا غُسلَ عليه ولا وضوء، وفي «التوضيح»: وللشافعيِّ قولان الجديد هذا، والقديم: الوجوب، وبالغسل قال ابن المُسَيَّـِبِ وابن سِيرِين والزُّهْريُّ، قاله ابن المنذر، وقال الخَطَّابيُّ: لا أعلم أحدًا قال بوجوبِ الغسل منه، وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه.
وأَمَّا التَّعليق المذكور فقد وصله مالكٌ في «موطَّئه» عن نافعٍ: أنَّ ابن عمر حنَّط ابنًا لسعيد بن زيد وحمله، ثُمَّ دخل المسجد فصلَّى ولم يتَوَضَّأ، وروى ابن أبي شَيْبَةَ عن وكيعٍ عن هشام بن عروة عن أبيه: أنَّ ابنَ عمر كَفَّن ميِّتًا وحنَّطه ولم يمسَّ ماءً، وعن أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبَير قال: قلت لابن عمر: أغتَسِلُ مِن غُسل الميت؟ قال: لا، وحدَّثنا عبَّاد بن العوَّام عن حَجَّاجٍ عن سليمان بن ربيع عن سعيد بن جُبَير قال: غَسَّلتْ أُمِّي ميتةً، فقالت لي: سَل: عليَّ غُسلٌ؟ فأتيت ابن عمر فسألته، فقال: أنجسًا غَسَّلت؟! ثُمَّ أتيت ابن عَبَّاس فسألته فقال مثل ذلك: أنجسًا غَسَّلت؟! وحدَّثنا عَبَّادٌ عن حَجَّاجٍ عن عطاءٍ عن ابن عَبَّاسٍ وابن عمر أنَّهما قالا: ليس على غاسِلِ الميِّت غُسلٌ.
قوله: (حَنَّطَ) بفتح الحاء المُهْمَلة وتشديد النون؛ أي: استعمل الحَنوط، وهو كلُّ شيءٍ خُلِط مِنَ الطيب للميِّت خاصَّة، قاله الكَرْمَانِيُّ، وتبعه بعضهم على هذا، / وفي «الصحاح»: «الحنوط» ذَريرة، وهو طيبُ الميِّت.
قُلْت: (الحَنوط) عِطرٌ مركَّبٌ مِن أنواع الطِّيب، يُجعَلُ على رأس الميِّت ولِحيتِه، ولبقيَّة جسدِهِ إن تيسَّر، وفي الحديث: «أنَّ ثمودَ لمَّا استيقَنوا بالعذاب؛ تكفَّنوا بالأنطاع، وتحنَّطوا بالصَّبِر؛ لئلَّا يَجيفوا ويُنتِنوا» وفي «المحيط»: لا بأس بسائر الطِّيب في الحنوط غير الزعفران والورس في حقِّ الرجال، ولا بأسَ بهما في حقِّ النساء، فيدخل فيه المِسكُ، وأجازه أكثر العلماء، وأمر به عليٌّ ☺ ، واستعمله أنسٌ وابن عمر وابن المُسَيَّـِبِ، وبه قال مالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمد وإسحاق، وكرهه عطاءٌ والحسن ومجاهد، وقالوا: إنَّهُ ميتةٌ، واستعماله في حنوط النَّبيِّ صلعم حجَّةٌ عليهم، وفي «الروضة»: ولا بأس بجعلِ المسك في الحنوط، وقال النَّخَعِيُّ: يوضع الحنوط على الجبهة والراحتين والركبتين والقدمين، وفي «المفيد»: وإن لم يفعل فلا يضرُّ، وقال ابن الجوزيِّ والقَرافيُّ: يُستَحَبُّ في المَرَّة الثالثة شيءٌ مِنَ الكافور، قالا: وقال أبو حنيفة: لا يستحب.
قُلْت: نقلُهما عنه ذلك خطأٌ.
قوله: (ابْنًا لِسَعِيدٍ) واسم الابن عبدُ الرَّحْمَن، رُويَ عن الليث عن نافعٍ: أنَّهُ رأى عبد الله بن عُمَر حنَّط عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن زيد، وسعيدُ بن زيد هذا أحدُ العشرة المبشَّرة، أسلم قديمًا ومات بالعقيق، ونُقِلَ إلى المدينة فدُفِنَ بها سنةَ إحدى وخمسين ☺ .
(ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا.
(ش) وجه مطابقته للترجمة قد ذكرناه في أثر ابن عُمَر الذي مضى.
وقد وصل هذا التعليق ابن أبي شَيْبَةَ عن سفيان بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عن عطاءٍ عن ابن عَبَّاسٍ أنَّهُ قال: لا تُنَجِّسُوا موتاكم، فإنَّ المؤمن ليس بنجسٍ حيًّا ولا ميِّتًا.
قوله: (لَا تُنَجِّسُوا موتاكم) أي: لا تقولوا: إنَّهم نجسٌ، ورواه سعيد بن منصور أيضًا عن سفيان نحوه، ورواه الحاكم مرفوعًا قال: أخبرنا إبراهيم بن عُصمة بن إبراهيم العدل: حدَّثنا أبو مسلم المُسَيَّبِ بن زهير البغداديُّ: حدَّثنا أبو بكرٍ وعثمان ابنا أبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنَا سفيان بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرو بن دينار عن عطاء بن أبي رَبَاح عن ابن عَبَّاسٍ قال: قال رسولُ الله صلعم : «لا تُنَجِّسُوا موتاكم، فإنَّ المسلم لا ينجس حيًّا ولا مَيِّتًا» صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرِّجاه.
(ص) وَقَالَ سَعْدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ.
(ش) وجه المطابقة ذكرناه، ووقع في رواية الأصيليِّ وأبي الوقت: <سعيد> بالياء، والأَوَّل أشهر وأصحُّ، وهو سعد بن أبي وَقَّاصٍ ☺ .
ووَصَلَ هذا التعليقَ ابنُ أبي شَيْبَةَ عن يحيى بن سعيدٍ القَطَّان عن الجَعْد عن عائشة بنت سعدٍ قالت: أُوذِنَ سعدٌ بجنازة سعيد بن زيدٍ وهو بالبقيع، فجاءه فَغَسَّله وَكَفَّنه وحنَّطه، ثُمَّ أتى داره فصلَّى عليه، ثُمَّ دعا بماءٍ فاغتسل، ثُمَّ قال: لم أغتسل مِن غسله، ولو كان نجسًا ما غَسَّلتُهُ أو ما مَسِستُهُ، ولكنِّي اغتسلت مِنَ الحرِّ.
وفي هذا الأثر فائدة حسنةٌ وهي: أنَّ العالِمَ إذا عمل عملًا يخشى أن يلتبس على مَن رآه؛ ينبغي له أن يُعْلِمَهم بحقيقة الأمر؛ لئلَّا يحملوه على غير محلِّه.
(ص) وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ».
(ش) هذا طرفٌ مِن حديث أبي هُرَيْرَة ذكره البُخَاريُّ مُسنَدًا في (باب الجنب يمشي) في (كتاب الغسل) : حدَّثنا عَيَّاش قال: حدَّثنا عبد الأعلى قال: حدَّثنا حُمَيدٌ عن أبي رافع، عن أبي هُرَيْرَة قال: لَقِيَنِي رسولُ الله صلعم ، وأنا جنبٌ... الحديث، وقد ذكرنا هناك جميع ما يتعلَّق به مستقصًى.