عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الإذخر والحشيش في القبر
  
              

          ░76▒ (ص) باب الإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ استعمالِ الإذخِرِ والحشيشِ في الفُرَجِ التي تَتَخلَّل بين اللَّبِناتِ في القبر.
          فَإِنْ قُلْتَ: ليس في حديث الباب ذكرُ الحشيش، فلِمَ ذَكَره؟
          قُلْت: نبَّه به على إلحاقِه بالإذخر؛ لأنَّ المرادَ باستعمال الإذخِرِ هو ما ذكرناه، لا التطيُّب، فيكون الحشيش في معناه؛ كما أنَّ المسك وما جانَسَه مِنَ الطِّيب في الحُنوط داخلٌ في معنى إباحةِ الكافورِ للميِّت.
          ثُمَّ (الإِذْخِرُ) بكسر الهمزة وكسر الخاء المُعْجَمة وسكون الذال المُعْجَمة وفي آخِرِه راءٌ، وهو نبتٌ معلومٌ، وله أصلٌ يندفِنُ، وقُضبان دِقاق، ذفر الرِّيح، وهو مثلُ الأَسَل؛ أسَل الكولان، إلَّا أنَّهُ أعرضُ وأصغرُ كُعوبًا، وله ثمرةٌ كأنَّها مكاميع القَصَب، إلَّا أنَّها أرقُّ وأصغر، وقال أبو زياد: الإذخرُ يشبه في نباتِه الغَرز، والغَرزُ نباتُه نباتُ الأسَل الذي يُعمَلُ منه الحُصُر، والإذخِرُ أدقُّ منه، وله كعوبٌ كثيرةٌ، وهو يُطحَن فيدخُلُ في الطِّيب، وقال أبو نَصر: هو مِنَ الذُّكور، وإِنَّما الذُّكور مِنَ البَقْل، وليس الإذخِرُ مِنَ البقل، وله أُرومةٌ فينبت فيها، فهو بالحِلْبة أشبهُ، وقال أبو عَمرو: هو مِنَ الحُلْبة، وقلَّما ينبتُ الإذخِرُ منفردًا، وهو ينبتُ في السُّهول والحُزون، وإذا جفَّ الإذخِرُ؛ ابيضَّ، وفي «شرح ألفاظ المنصوريِّ»: الإذخِرُ خَشَبٌ يُجلَب مِنَ الحجاز، وبالمغرِبِ صِنْفٌ منه، قيل: هذا أصحُّ ما قيلَ في الإذخِرِ، ويدلُّ عليه قولُ عَبَّاسٍ: «لبيوتهم وقبورهم»، فإنَّ البيوتَ ما تُسقَفُ إلَّا بالخشب، ولا يُجعَلُ على اللُّحود إلَّا الخَشَب.
          قُلْت: قد ذَكَرناهُ أنَّهُ يُسَدُّ به الفُرَجُ التي تتخلَّل بين اللَّبِنات؛ بدليل قولِه: (وَالْحَشِيشِ) فإنَّ الحشيشَ لا يُسقَفُ به؛ لأنَّه غيرُ متماسكٍ، لا رَطْبًا ولا يابسًا.