عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من استعد الكفن في زمن النبي فلم ينكر عليه
  
              

          ░28▒ (ص) باب مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلعم ؛ فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان مَنِ استعدَّ الكَفَنَ؛ أي: أعدَّه، وليست السين للطلب.
          قوله: (فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ) على صيغة المجهول، ويُروى على صيغة المعلوم، ويكون الفاعل هو النَّبِيَّ صلعم ، وقيل: يُروى: <فلم ينكره> بهاء؛ أي: فلم ينكر النَّبِيُّ صلعم الرجلَ الذي طلب البردة التي أهديت إليه، وكان طلبه إيَّاها منه صلعم لأجل أن يكفَّن فيها، وكانت الصَّحابة أنكروا عليه، فلمَّا قال: إِنَّما طلبتها لأُكَفَّن فيها؛ أعذروه، فلم ينكروا ذلك عليه، وأشار البُخَاريُّ بهذه الترجمة إلى تلك القضية.
          واسْتُفِيدَ من ذلك جوازُ تحصيل ما لا بدَّ للميت منه مِن كفنٍ ونحوه في حال حياته؛ لأنَّ أفضل ما ينظر فيه الرجل في وقتِ المُهَل وفُسْحة الأجَل الاعتدادُ للمعاد، وقد قال صلعم : «أفضلُ المؤمنين إيمانًا أكثرُهم للموت ذكرًا، وأحسنُهم له استعدادًا»، وقال الصَّيْمَريُّ: لا يُستحبُّ للإنسان أن يُعِدَّ لنفسه كفنًا؛ لئلا يحاسب عليه، وهو صحيح إلَّا إذا كان مِن جهةٍ يقطع بحلِّها أو مِن أثر أهل الخير والصلحاء، فَإِنَّهُ حسن، وهل يلحق بذلك حفر القبر في حياته؟ فقال ابن بَطَّالٍ: قد حفر جماعةٌ مِن الصَّالحين قبورهم قبل الموت بأيديهم، ليمتثلوا حلول الموت فيه، ورَدَّ عليه بعضهم بأنَّ ذلك لم يقع مِن أحدٍ مِن الصَّحابة، ولو كان مستحبًّا لكثر فيهم.
          قُلْت: لا يلزم مِن عدم وقوعه مِن أحدٍ مِن الصحابة عدم جوازه؛ لأنَّ ما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن، ولا سيَّما إذا فعله قومٌ مِنَ الصُّلحاء الأخيار.