مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب دعاء العائد للمريض

          ░20▒ باب دعاء العائد للمريض
          وقالت عائشة بنت سعد، عن أبيها إلى آخره هذا أسلفه مسنداً.
          ثم ساق عن أبي عوانة بسنده، عن عائشة أن رسول الله صلعم كان إذا أتى مريضاً أو أتى به الحديث، ويأتي في الطب وأخرجه (م).
          تعليق ابن طهمان، أخرجه الإسماعيلي في ((صحيحه)) عن القاسم بسنده، عن أبي الضحى: إذا أتي بالمريض.
          قال الإسماعيلي: وليس هذا بشك، ولكنه كان ◙ يقول في الحالتين كذلك إن شاء الله.
          قلت: وهذا الحديث روي من طريق ثابت بن قيس بن شماس وعلي ومحمد بن حاطب وابن مسعود.
          أخرج الأول: ابن حبان من حديثه: أنه ◙ دخل عليه وهو مريض، فقال: ((اكشف البأس / رب الناس)) عن ثابت بن قيس بن شماس.
          والثاني: ابن أبي عاصم من حديث الحارث عنه، كان رسول الله إذا دخل على المريض قال: ((أذهب البأس، رب الناس، واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت)).
          والثالث: ابن أبي عاصم أيضاً عن محمد بن حاطب قال: تناولت قدراً فأحرقت يدي، فذهبت بي أمي إلى رسول الله فتكلم بكلام لا أدري ما هو، فقالت: قال: ((أذهب البأس رب الناس)) الحديث.
          قال الطبري: في هذه الآثار من الفقه أن الرغبة إلى الله تعالى في العافية في الجسم أفضل للعبد وأصلح له من الرغبة إليه في البلاء؛ وذلك أنه ◙ كان يدعو للمرضى بالشفاء من عللهم.
          فإن قلت: ما وجه دعائه لسعد بالشفاء وقد تظاهرت الأخبار عنه، أنه قال يوماً لأصحابه: ((من أحب أن يصح ولا يسقم؟)). قالوا: نحن يا رسول الله، فقال: ((أتحبون أن تكونوا مثل الحمير الضالة؟))، وتغير وجه رسول الله، ثم قال: ((ألا تحبون أن تكونوا أصحاب كفارات؟!)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فو الذي نفس أبي القاسم بيده، إن الله ليبتلي المؤمن وما يبتليه إلا لكرامته عليه، وإلا أن له عنده منزلة لا يبلغها بشيء من عمله دون أن يبلغ من البلاء ما يبلغه تلك المنزلة)) من حديث أبي عقيل مسلم بن عقيل بسنده مرفوعاً.
          وروى زيد بن أبي أنيسة بسنده، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله، فقال له رسول الله: ((أصابتك أم ملدم قط؟)) قال: لا يا رسول الله، فلما ولى قال لهم رسول الله: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا)).
          وروى الليث بسنده، عن أنس، عن النبي صلعم أنه قال: ((إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)).
          قيل: لا تعارض، ولكل منها وجه، وذلك أن العلل والأمراض كفارات لأهل الإيمان وعقوبات يمحص الله بها عمن شاء منهم في الدنيا؛ ليلقوه مطهرين من دنس الذنوب.
          فإذا كانت العلل والأوجاع إنما هي عقوبات على التبعات، فثبت أنه ◙ إنما دعا بالشفاء من الأمراض لمن لا كبائر له، ومن سلم من الذنوب الموجبة للعقوبات، وبرئ من مظالم العباد لا كبائر له وكره اختيار الصحة على البلاء.
          في هذه الأحاديث: الأجر لأهل الإجرام، ولمن اقترف على نفسه والآثام، فكره أن يختار لنفسه كفارته بآثامه، وموافاته بإحرامه غير متمحص ولا متطهر من الأدناس، فليس شيء من الأخبار مضادة لصاحبه.
          وفيه: جواز السجع في الدعاء والرقى إذا لم يكن مقصوداً ولا متكلفاً.
          وشفاء: منصوب على المصدر، تقديره: واشف.
          والشافي: اسم فاعل من ذلك. والألف واللام فيه بمعنى الذي. وليس باسم علم لله تعالى، (ولا يغادر) أي: لا يترك سقماً، يريد: مرضا.
          وقال ابن العربي: أي: كاملاً ثابتاً. وسقما: بضم السين والقاف وبفتحهما، ذكره ابن التين.
          قوله: (أذهب البأس رب الناس) فيه إشارة إلى أن الرقى والدواء، لا ينسب إليهما من إذهاب الداء شيء، إنما يذهبه الله تعالى.