مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب فضل من ذهب بصره

          ░7▒ باب فضل من ذهب بصره
          فيه حديث عمرو مولى المطلب، عن أنس... إلى آخره.
          عمرو هذا هو ابن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي مات في خلافة أبي جعفر المنصور، وقال فيه ابن معين: ضعيف ليس بالقوي، قلت: لكن أخرج له الجماعة. /
          وأبو ظلال اسمه: هلال بن أبي مالك زيد الأزدي القسملي الأعمى البصري تابعي، وعنه جماعة. ضعفه يحيى بن معين أخرج له (ت). ومتابعته أخرجها (ت) عن عبد الله بن معاوية الجمحي ثنا عبد العزيز بن مسلم: ثنا أبو ظلال عن أنس.
          وهذا الحديث حجة في أن الصبر على البلاء ثوابها الجنة، ونعمة الصبر على العبد وإن كانت من أجل نعم الله في الدنيا فعوض الله له الجنة عليها أعظم من نعيمها في الدنيا لنفاذ مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا، ومقاتلة الالتذاذ به في الجنة، فمن ابتلي من المؤمنين بذهاب بصره في الدنيا فلم يفعل ذلك به لسخط به عليه، وإنما أراد الإحسان إليه، إما بدفع مكروه عنه يكون سببه نظر عينيه لا صبر على عقابه في الآخرة أو ليكف عنه ذنوباً سلفت لا يكفرها عنه إلا بأخذ أعظم جوارحه ليلقى ربه طاهراً من ذنوبه أو ليبلغه من الأجر إلى درجة لم يكن يبلغها بعمله.
          وكذلك جميع أنواع البلاء، فمن ابتلي بذهاب بصره أو فقد جارحة من جوارحه، فليلق ذلك بالصبر والشكر والاحتساب وليرض باختيار الله له، ذلك ليحصل على أفضل العوضين وأعظم النعمتين وهي الجنة التي من صار إليها فقد ربحت تجارته ولم يضره ما لقي من شدة البلاء.
          قال والدي ⌂:
          (باب أشد الناس بلاء).
          قوله: (الأمثل) أي الأفضل. فإن قلت: لم قال أولاً ثم الأمثل بلفظ ثم، وثانيا فالأمثل بالفاء؟ قلت: للإعلام بالبعد والتراخي في المرتبة بين الأنبياء وغيرهم وعدم ذلك بين غير الأنبياء، إذ لا شك أن البعد بين النبي والولي أكثر من البعد بين ولي وولي، إذ مراتب الأولياء بعضها قريبة من البعض، ولفظ الأول تفسير للأمثل إذ معنى الأول المقدم في الفضل، ولهذا لم يعطف عليه والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء أنهم مخصوصون بكمال الصبر ومعرفة أنها نعمة من الله تعالى وليتم لهم الخير ويضاعف لهم الأجر وليزيد درجاتهم.
          قوله: (عبدان) فعلان من العبودية، هو عبد الله بن عثمان و(أبو حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون السكري، ولفظ (سيئاته) جع مضاف ليفيد العموم فيلزم منه تكفير جميع الذنوب صغيرة وكبيرة نرجو ذلك منك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
          فإن قلت: الحديث كيف دل على الترجمة؟ قلت: يقاس سائر الأنبياء على نبينا محمد صلعم والأولياء أيضاً هم بهذه النسبة وأما العلة فهي أن البلاء في مقابلة النعمة فمن كان نعم الله تعالى عليه أكثر كان بلاؤه أشد، ولهذا ضوعفت حدود الأحرار على العبيد، وقال: يا نساء النبي {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30]، مع أن غرض (خ) من ذكره في الترجمة بطولها بيان أنها ثابتة في الحديث، لكن ليس بشرطه.
          رواه (ت) فثنا قتيبة ثنا حماد بن عاصم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)) قال: وهذا حديث حسن صحيح.
          قوله: (أذى) التنكير للتقليل لا للجنس ليصح ترتيب فوقها ودونها في العظم والحقارة عليه بالفاء، وهو يحتمل وجهين فوقها في العظم ودونها / في الحقارة وعكس ذلك.
          قوله: (عودوا) قال ابن بطال: يحتمل أن تكون العيادة من فروض الكفايات كإطعام الجائع وأن يكون معناه الندب والحض على المؤاخاة والألفة ويدخل في عمومه جميع الأمراض.
          وفيه رد على من قال لا يعاد الرمد قال ذلك لأن العائد يرى في بيته ما لا يراه وحالة الإغماء أشد من الرمد؛ لأن المغمي عليه يزيد عليه بفقد عقله، وقد عاد رسول الله صلعم جابراً فيه.
          وفيه أن عائد المريض كان حضوره عنده وتفقده له من حيث أنه موجب لثوران نشاطه وانتعاش قوته يصير سبباً لزيادة صحة المريض عادة، ولهذا وسطه بين الإطعام والفك اللذين هما بحسب الظاهر سبب لبقائهما، وإن كان الكل في الحقيقة بقدرة الله تعالى، إذ لا مؤثر في الوجود إلا الله.
          قوله: (العاني) بالمهملة والنون، الأسير و(الفك) التخليص بنحو الفداء و(أشعث) بفتح الهمزة والمهملة وسكون المعجمة وبالمثلثة (ابن سليم) مصغر: السلم و(معاوية بن سويد) مصغر: السود (ابن مقرن) بفاعل التقرين بالقاف والراء و(القسي) ثوب منسوب إلى قرية يقال لها: القس بفتح القاف وشدة المهملة و(الميثرة) بكسر الميم من الوثارة بالمثلثة والراء، وهي اللبن مفرد المياثر وهي جلود السباع، وقيل: وطاء كانت النساء تصنعه لأزواجهن على السروج، وأما السابع فهو الشرب من آنية الفضة، والأربعة الباقية من المأمور بها، وهي تشميت العاطس وإجابة الداعي ونصر المظلوم، وإبرار المقسم، وأما إفشاء السلام فهو تعميمه لمن عرفته، ولمن لم تعرفه وتقدم آنفاً.
          قوله: (ابن المنكدر) بفاعل الانكدار بالمهملة والراء محمد و(أغمي) بضم الهمزة من الإغماء وهو الغشي، وهو تعطل جل القوى المحركة والحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه واستفراغه وتحلله، و(آية) هي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء:11] ومر في سورة النساء، وفيه أن الإغماء كسائر الأمراض ينبغي العيادة فيه، وجواز طول جلوسه عند العليل إذا رأى لذلك وجهاً.
          قوله: (يصرع من الريح) وهو ما يكون منشأ للصرع وهو عند الأطباء علة تمنع الأعضاء النفيسة عن أفعالها كلها منعاً غير تام وسببه شدة تعرض في بطون الدماغ وفي مجاري الأعصاب المحركة وسبب التزيد غلظ الرطوبة والريح.
          قوله: (أبو بكر) عمران بن مسلم القصير البصري و(عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء وخفة الموحدة وبالمهملة و(أتكشف) من التفعل وانكشف من الانكشاف أي: تظهر عورتي.
          قوله: (محمد) أي ابن سلام و(مخلد) بفتح الميم واللام وإسكان المعجمة بينهما وبإهمال الدال، ابن يزيد بالزاي و(أم زفر) بضم الزاي وفتح الفاء وبالراء كنية تلك المرأة المصروعة و(الستر) بكسر المهملة أي جالسة على ستر الكعبة أو معتمدة عليه، ويحتمل أن يتعلق بقوله رأى.
          وفيه فضل الصرع وأن اختيار البلاء والصبر عليه يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة.
          فإن قلت: فهذه أيضاً مبشرة بالجنة فليسوا منحصرين في العشرة؟ قلت: وكثير غيرها مثل الحسن والحسين وأمهما وأزواج النبي صلعم فالمراد: بالعشرة الذين بشروا في مجلس واحد، أو صرح فيهم بلفظ البشارة.
          قوله: (ابن الهاد) هو يزيد من الزيادة ابن عبد الله ابن أسامة ابن الهاد الليثي(1) و(عمرو) هو / ابن ميسرة ضد: الميمنة مولى المطلب بفتح المهملة الشديدة وكسر اللام الخفيفة المخزومي و(الحبيبتان) أي: المحبوبتان يعني العينين وسميتا بذلك لأنهما أحب الأشياء إلى الشخص و(صبر) أي: للبلاء شاكراً عليه راضياً بقضاء الله تعالى وليس ابتلاء الله تعالى العبد بالعمى لسخطه عليه، بل لدفع مكروه يكون بسبب البصر ولتكفير ذنوب سلفت منه ولتبليغه إلى أجر لم يكن يبلغه بعمله ونعمة البصر وإن كانت أجل نعم الله تعالى على العبد في الدنيا فعوض له الجنة عليها أعظم العوضين وأفضل النعمتين كما وكيفا لنفاذ مدة الالتذاذ بالبصر وضعفه وبقاء الالتذاذ بالجنة وقربه فمن ابتلي بالعمى أو بفقد جارحة فليتلق ذلك بالصبر لتحصل له الجنة التي من صار إليها فقد ربحت تجارته.
          قوله: (أشعث) بفتح الهمزة والمهملة وسكون المعجمة وبالمثلثة ابن عبد الله بن جابر الحداني بضم المهملة الأولى وشدة الثانية وبالنون الأعمى و(أبو ظلال) بكسر الظاء المعجمة وتخفيف اللام، اسمه: هلال بن هلال وهو أعمى أيضاً.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وعبد الله بن سلام وبلال)).