مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب شدة المرض

          ░2▒ باب شدة المرض
          فيه حديث مسروق، عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً الوجع.. الحديث.
          وحديث الحارث بن سويد عن عبد الله قال: أتيت النبي صلعم في مرضه.. الحديث.
          حديث عائشة أخرجه (م) (ن) (ق) وأخرجه (ت).
          وحديث ابن مسعود أخرجه (م) (ن)، وشيخه فيه محمد بن يوسف الفريابي وسفيان بعده هو الثوري.
          والوعك بسكون العين: مغث الحمى.
          كذا في ((الصحاح))، وقال ابن فارس: هي الحمى.
          وقيل: مغثها؛ أي: بمرثيته وقد وعك الرجل يوعك فهو موعك.
          وقال صاحب ((المطالع)): الوعك بفتح العين وسكونها، قيل: هو إرعاد الحمى وتحريكه إياه.
          وقال الأصمعي: الوعك: شدة الحر، فكأنه أراد: حر الحمى وشدتها. وفي ((المحكم)): الوعك: الألم يجده الإنسان من شدة التعب. وعن الأزهري: الوعك / : بعث المرض.
          والمراد بالوجع هنا: المرض، والعرب تسمي كل وجع: مرضاً.
          وقد خص الله أنبياءه بشدة الأوجاع والأوصاب لما خصهم به من قوة اليقين وشدة الصبر والاحتساب؛ ليكمل لهم الثواب ويتم لهم الخير.
          وذكر عبد الرزاق من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: أن رجلاً وضع يده على رسول الله صلعم فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك. قال ◙: ((إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر حتى يأخذ العباءة فيجوبها وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء)).
          وفي البيهقي زيادة قال: يا رسول الله، من أشد الناس بلاء؟ قال: ((الأنبياء)). قال: ثم من؟ قال: ((العلماء)). قال: ثم من؟ قال: ((الصالحون)).
          وعند (ت) وقال: حسن صحيح من حديث مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).
          قوله: (كما يتحات ورق الشجر) أي: يسقط. وفيه: أن الأجور على قدر المشقة.
          قال والدي ⌂:
          (كتاب المرضى)
          قوله: (كفارة المرض) والكفارة صيغة المبالغة من الكفر وهو التغطية و(المرض) خروج الجسم عن المجرى الطبيعي ويعبر عنه بأنه حالة أو ملكة تصدر بها الأفعال عن الموضوع لها غير سليمة.
          فإن قلت: المرض ليس [له] كفارة بل هو كفارة للغير؟ قلت: الإضافة بيانية نحو شجر الأراك أي كفارة هي مرض، أو الإضافة بمعنى كأن المرض ظرف للكفارة، أو هو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
          فإن قلت: ما وجه مناسبة الآية بالكتاب إذ معناها من يعمل معصية يجزَ بها يوم القيامة؟ قلت: اللفظ أعم من يوم القيامة فيتناول الجزاء في الدنيا بأن يكون مرضه عقوبة لتلك المعصية فيغفر له بسبب ذلك المرض.
          قوله: (أبو اليمان) بفتح التحتانية وخفة الميم (الحكم) بالمفتوحتين ابن نافع الحمصي و(المصيبة) معناها اللغوي: ما ينزل بالإنسان من البلاء والمكروه، لكن المراد منها هاهنا معناها العرفي وهو ما ينزل بالإنسان من المكروهات و(يشاكها) بالضم، قال الكسائي: شكت الرجل أشوكه أي أدخلت في جسده شوكة وشيك هو ما لم يسم فاعله يشاك شوكاً، وقال الأصمعي: شاكتني الشوكة إذا دخلت في جسده، ويقال: أشكت فلاناً إذا آذيته بالشوكة.
          فإن قلت: هو متعد إلى مفعول واحد فما هذا الضمير؟ قلت: هو من باب وصل الفعل؛ أي: يشاك بها فحذف الجار وأوصل الفعل.
          الطيبي: (الشوكة) مبتدأ و(يشاكها) خبره ورواية الجر ظاهرة والضمير في يشاكها مفعوله الثاني، والمفعول الأول مضمر أي يشاك المسلم تلك الشوكة.
          قوله: (زهير) مصغر الزهر، ابن محمد التميمي الخراساني الشامي و(محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح المهملتين وإسكان اللام الأولى و(عطاء بن يسار) ضد: اليمين و(أبو سعيد) اسمه: سعد الخدري بسكون الدال المهملة و(النصب) التعب / و(الوصب) المرض، وقيل: المرض اللازم و(الهم) مكروه يلحق الإنسان بحسب ما يقصده و(الحزن) ما يلحقه بسبب حصول مكروه في الماضي و(الأذى) ما يلحقه من تعدي الغير عليه و(الغم) ما يلحقه بحيث يضمه كأنه يضيق عليه ويثقله وهو شامل لجميع أنواع المكروهات؛ لأنه إما بسبب ما يعرض للبدن أو للنفس، والأول: إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أم لا، ثم ذلك إما بالنظر إلى الماضي أم لا.
          قوله: (يحيى) أي: القطان و(سفيان) أي: الثوري و(سعد) أي: ابن إبراهيم و(الخامة) بتخفيف الميم الغضة الرطبة من النبات أول ما تنبت و(تفيِّئها) بالفاء؛ أي: تميلها وتقلبها وترجعها وفاعلها الريح والقرينة العادية تدل عليه، وفي بعضها جاء مصرحاً به، و(الأرزة) بفتح الهمزة وبالراء ثم الزاي. الخطابي: مفتوحة الراء شجر الصنوبر. الجوهري: بالتسكين شجر الصنوبر.
          و(الانجعاف) بالجيم والمهملة الانقلاع و(زكرياء) هو ابن أبي زائدة من الزيادة و(ابن كعب) هو عبد الله، وفي هذا الطريق روى عنه بلفظ التحديث، وفي الأول بلفظ العنعنة.
          قوله: (محمد بن فليح) مصغر: الفلح بالفاء واللام والمهملة و(لؤي) بضم اللام وفتح الواو والهمزة على القولين فيه وتشديد التحتانية و(كفأتها) أي: قلبتها و(تكفأ) أي تقلب.
          فإن قلت: البلاء هو إنما يستعمل فيما يتعلق بالمؤمن فالمناسب أن يقال بالريح؟ قلت: الريح أيضاً بلاء بالنسبة إلى الخامة، أو أراد بالبلاء ما يضر بالخامة أو لما شبه المؤمن بالخامة أثبت للمشبه به ما هو من خواص المشبه.
          و(الصماء) أي: الصلبة المكتنزة الشديدة ليست بجوفاء ولا خوارة ضعيفة و(يقصمها) بالقاف وبإهمال الصاد يكسرها. قال ابن بطال: مثل المؤمن كالخامة من حيث أنه إذا جاء أمر الله انطاع له وإن جاء مكروه رجا فيه الأجرة فإذا سكن البلاء عنه اعتدل قائماً بالشكر له على البلاء؛ أي: الاختبار، وعلى المعافاة منه ومنتظراً لاختبار آخر والكافر لا يكون إليه منه تعالى اختبار بل يعافيه وييسر عليه أموره ليعسر عليه معاده، وإذا أراد الله أن يهلكه قصمه ويكون موته أشد عذاباً عليه وأكثر ألماً في خروج نفسه من ألم النفس المبتلية بالبلاء المأجور عليه.
          قوله: (محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بفتح الصادين المهملتين وسكون العين المهملة الأولى و(سعيد بن يسار) ضد: اليمين (أبو الحباب) بضم المهملة وخفة الموحدة الأولى و(يصب) بلفظ المجهول فمفعول ما لم يسم فاعله أما الضمير الذي فيه وضمير منه راجع إلى الله تعالى، أو يصير مصاباً بحكم الله. وأما الجار والمجرور والضمير راجع إلى من. النووي: ضبطوا بفتح الصاد وكسرها. الطيبي: الفتح أحسن للأدب كما في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].
          الزمخشري: أي نيل منه بالمصائب، وقال محيي السنة: يعني يبتليه بالمصائب. المظهري: أوصل الله إليه مصيبة ليطهره من الذنوب.
          قوله: (قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبإهمال الصاد و(بشر) بالموحدة المكسورة، وهذا تحويل من إسناد إلى إسناد و(أبو وائل) بالهمز بعد الألف شقيق بالقافين و(الوجع) أي: المرض و(إبراهيم التيمي) بفتح الفوقانية وإسكان التحتانية و(الحارث بن سويد) مصغر السود(1) الكوفي و(عبد الله) أي: ابن مسعود و(يوعك) بفتح المهملة يقال: وعك الرجل يوعك فهو موعوك و(الوعك) بالسكون وبالفتح / الحمى وقيل: ألمها وتعبها.
          قوله: (ذاك) هو إشارة إلى تضاعف الحمى، وفي الحديث اختصار إذ قال هذا بعد أن قال ◙: ((إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)) و(أجل) أي: نعم و(حات) أي: نثر الله وتحات الشيء أي: تناثر وتحات أي تنثر.
          فإن قلت: هذا لا يدل على ما صدقه بقوله أجل إذ ذاك يدل على أن في المرض زيادة الحسنات وهذا على أنه يحط الخطيئات؟ قلت: أجل تصديق لذلك الخبر فصدقه أولاً، ثم استأنف الكلام وزاد عليه شيئاً آخر وهو حط السيئات، فكأنه قال نعم يزيد الدرجات ويحط السيئات أيضاً.
          واختلف العلماء فيه فقال أكثرهم: فيه رفع الدرجة وحط الخطيئة، وقال بعضهم: أنه يكفر الخطيئة فقط.
          الزركشي:
          (الوصب) المرض والألم.
          (والنصب) الإعياء والتعب.
          و(الهم) مرض يختص بالباطن، ولذلك يكفر به السيئات.
          (حتى الشوكة) جوز أبو البقاء ثلاثة أوجه:
          الجر بمعنى إلى، أي: لو انتهى ذلك إلى الشوكة.
          والنصب على تقدير: يجد الشوكة، أو مع الشوكة.
          والرفع إما على العطف على الضمير في ((نصب)) وإما مبتدأ؛ أي: حتى الشوكة تشوكه.
          (يشاكها) أي: يصاب بها، قال السفاقسي: حقيقة هذا اللفظ أن يدخلها غيره في جسده، يقال: شكته أشوكه، قال الأصمعي: ويقال شاكتني تشوكني: إذا دخلت هي، فلو كان المراد هذا لقال: تشوكه، ولكنه جعلها مفعولة، وجعله هو مفعولاً به أيضاً.
          و(تفيئها) تميلها، ولم يذكر هنا الفاعل وهو الريح وبه تمام الكلام، وقد ذكره في باب كفارة المريض، وقال: ((فإذا اعتدلت)).
          (تكفأ بالبلاء) وصوابه: ((فإذا انقلبت))، لم يكن قوله: ((تكفأ)) رجوعاً إلى وصف المسلمين، وكذا ذكره في التوحيد بهذا اللفظ، وقال: ((المؤمن يكفأ بالبلاء)).
          وفي ((مسند أحمد)) من حديث أبي بن كعب يرفعه: ((مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة وتصفر أخرى)) ذكره في جواب من قال: لم تصبني الحمى قط.
          وفيه فائدتان تفسير الخامة، وكونه ورد على سبب.
          (من يرد الله به خيرا يصب منه) أي: يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها، قاله صاحب ((الغريبين)).
          وقال أبو الفرج: عامة المحدثين يقرؤونه بكسر الصاد ويجعلون الفعل لله، وسمعت أبا محمد الخشاب يقول بفتح الصاد، وهو أحسن وأليق، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (إن الله يكفر به) قد تكرر ذكر الكفارة في الحديث اسماً وفعلاً مفرداً وجمعاً، وهي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة؛ أي: تسترها وتمحوها، وهي من صيغ المبالغة كقتالة وضرابة وهي من الصفات الغالبة في باب الأسماء.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: سويد هو مصغر أسود بعد حذف همزته)).