مجمع البحرين وجواهر الحبرين

ما جاء في كفارة المرض

          ░1▒ باب ما جاء في كفارة المرض
          وقول الله: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا} [النساء:123] الآية.
          فيه أحاديث:
          1- حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلعم: ((ما من مصيبة...)) الحديث. وأخرجه (م) (ت) (ن).
          2- حديث أبي سعيد الخدري سعد بن مالك وعن أبي هريرة، عن رسول الله ((ما يصيب المسلم من نصب...)) الحديث، وأخرجه (م) (ت) وحسنه.
          3- حديث سنان، عن سعد وهو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.. إلى آخره.
          والخامة: الطاقة الغضة اللينة من الزرع، وألفها منقلبة عن واو.
          والأرزة: بسكون الراء وفتحها شجرة الأرزن وهو خشب معروف، وقيل: الصنوبر.
          وانجعافها: انقلاعها، يقال: جعفته فانجعف؛ أي: قلعته فانقلع، وهو مطاوع جعفه جعفاً، قاله ابن سيده.
          وقال الداودي: يريد كسرها من وسطها وانقلاعها من أسفلها. وأهل اللغة على ما سلف.
          4- حديث أبي هريرة قال رسول الله صلعم: ((مثل المؤمن كمثل خامة الزرع...)) الحديث. وأخرجه (م) (ت) وقال: حسن صحيح.
          5- حديث أبي هريرة أيضاً قال رسول الله: ((من يرد الله به خيراً)). وأخرجه (ن).
          حديث أبي سعيد وأبي هريرة لما رواه (ت) قال: قال ابن الجارود: سمعت وكيعاً يقول: لم يسمع في الغم أنه يكون كفارة إلا في هذا الحديث.
          وفي الباب أحاديث أخرجها (م) من حديث جابر، نا أم المسيب: ((لا تسبي الحمى، فإنها تذهب بخطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد)).
          وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((لا يزال البلاء بالعبد المؤمن والمؤمنة حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة)).
          قال أبو هريرة: ما من وجع يصيبني أحب إلي من الحمى إنها تدخل في كل مفصل من ابن آدم، وإن الله تعالى ليعطي كل مفصل مقسطاً من الأجر.
          وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أنس مرفوعاً: ((إن الله إذا ابتلى المسلم ببلاء في جسده قال للملك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه)).
          ومن حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: ((ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة فقال: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدوداً في وثاقي)).
          وسلف في (خ) في الجهاد من حديث أبي موسى مرفوعاً: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)).
          وروينا في جزء القنطري داود بن علي: بسنده / عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الأزهر، عن أبيه أنه ◙ قال: ((إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل الحديدة المحماة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها)).
          ولأبي الليث، عن علي قال: لما نزل {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] خرج علينا رسول الله فقال: ((لقد أنزلت علي آية هي خير لأمتي من الدنيا وما فيها)) ثم قرأها ثم قال: ((إن العبد إذا أذنب ذنباً فتصيبه شدة أو بلاء في الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعذبه ثانيا)). فقلنا: ما أبقت هذه الآية من شيء، فقال: ((إنها لكما أنزلت)).
          وذكر ابن أبي شيبة: أن أبا هريرة قال: لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا، فقال ◙: ((أبشروا وسددوا فإنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عنه)).
          زاد ابن التين بعد ((يشاكها)): ((في قدمه)).
          قال أبو الليث: وروى الحسن أن رجلاً من الصحابة رأى امرأة كان يعرفها في الجاهلية فجعل يلتفت إليها فصدمته حائط في وجهه، فأتى رسول الله فأخبره فقال: ((إذا أراد الله بعبد خيراً تعجل عقوبة ذنبه في الدنيا)).
          وعن الحسن أنه قال: إن الله تعالى ليكفر عن المؤمن خطاياه كلها بحمى ليلة.
          وعن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي عثمان الأصبحي وله صحبة قال رسول الله لرجل: ((لو كان الله يريد به خيراً لطهر جسده بالمرض)).
          وعن ابن إسحاق، عن رجل من أهل الشام، عن عمه، عن عامر العوام أخي الخضر قال: سمعت النبي صلعم يقول: ((إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم عافاه منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل)).
          عن ابن مسعود مرفوعاً: ((عجباً للمؤمن لو كان يعلم ما له في السقم أحب أن يكون سقيماً حتى يلقى الله، وإن عبداً مرض فقال الله للحفظة: اكتبوا لعبدي الذي كان يعمل في يومه وليلته ولا تنقصوه شيئاً فله أجر ما حبسته وله أجر ما كان يعمل)).
          قال ابن بطال: فإن قيل: ظاهر هذه الآثار تدل على أن المريض إنما تحط عنه بمرضه السيئات فقط دون الزيادة.
          وقد ذكر (خ) في الجهاد حديث أبي موسى السالف وظاهره مخالف لآثار الباب؛ لأن في حديث أبي موسى أنه يزاد على التكفير.
          قيل له: ليس ذلك بخلاف وإنما هو زيادة بيان على آثار الباب التي جاءت بتكفير الخطايا بالوجع لكل مؤمن.
          قوله: (حتى الشوكة يشاكها) أي: يصاب بها، وحقيقة هذا اللفظ: أن تكون الشوكة يدخلها غيره في جسده.
          قال الكسائي: شكت الرجل الشوكة: إذا أدخلت في جسده شوكة.
          وشيك هو على ما لم يسم فاعله يشاك شوكاً، وقال الأصمعي: يقال: شاكتني الشوكة تشوكني إذا دخلت في جسده.
          فلو كان أراد أن تصيبه الشوكة لقال: حتى الشوكة تشوكه ولكنها جعلها أعني الشوكة مفعولة وجعله هو مفعولا أيضاً، نبه عليه ابن التين.
          والنصب التعب والوصب: المرض. يقال: منه وصب يوصب فهو وصب.
          قوله: (من هم ولا غم) معناهما واحد، وكرر لاختلاف اللفظ. وقيل: الهم: المرض من همه المرض إذا أذابه فيكون مثل الوصب.
          قوله: (وقال زكريا: حدثني سعد..) هذا التعليق / أخرجه (م) عن أبي بكر.
          والخامة: بالمعجمة وتخفيف الميم وهي ورقة الزرع الغضة الرطبة، وقيل: الضعيفة.
          وقال ابن سيده: هي أول ما تنبت على ساق واحدة، وبه جزم صاحب ((العين)) وقيل: هي الطاقة الغضة منه. وقيل: الشجرة الغضة الرطبة.
          وقال القزاز: وروي الخافة بالفاء وهي: الطاقة من الزرع.
          قوله: (تفيئها) أي: تميلها.
          وقال أبو عبد الملك: ترقدها، حكاه ابن التين.
          قال: والذي في اللغة أن فاء: إذا رجع وأفاء غيره رجعه، قال صاحب ((المطالع)): وفي رواية أبي ذر: تفيأها بفتح التاء والفاء.
          ومعنى: (تعدلها) بفتح التاء وكسر الدال: ترفعها.
          والأرزة بفتح الهمزة وسكون الراء وفتحها. قال صاحب ((المطالع)): الرواية بالسكون.
          وقال أبو عبيدة: إنما هو الآرزة على وزن فاعلة، ومعناها: الثابتة في الأرض، وقال أبو حنيفة: راؤه ساكنة وليس هو من نبات أرض العرب ولا السباخ، والأرز مما يطول طولاً شديداً ويغلظ، وأخبرني الخبير أنه ذكر الصنوبر وأنه لا يحمل شيئاً، ولكن يستخرج من أعجازه وعروقه الزفت.
          وقال الخطابي: الأرزة مفتوحة الراء من الشجر، واحدة: الأرز. قال: ويقال: هو شجر الصنوبر.
          وفي ((المحكم)): والأرز: العرعر، وقيل: هو شجر بالشام. يقال لثمره: الصنوبر، والأُرْزَة والأَرَزَة جميعاً.
          قوله: (من حيث أتتها الريح كفأتها) أي: قلبتها، مهموز ووقع في بعض النسخ بغير همز وكأنه سهل الهمزة.
          قوله: (صماء) أي: صلبة ليست مجوفة.
          قوله: (يقصمها الله إذا شاء) أي: يكسرها حتى تبين.
          ومعنى الحديث: أن المؤمن ملقى بالأمراض وغيرها كالزرع كثير الميلان لضعف ساقه، والمنافق لا يعرض له مرض يؤجر فيه حتى يصرع للموت مرة واحدة.
          قال المهلب: معنى الحديث أن المؤمن من حيث جاءه أمر الله انطاع له ولان ورضيه، وإن جاءه مكروه رجا فيه الخير والأجر، فإذا سكن البلاء منه اعتدل قائماً بالشكر له على البلاء والاختبار وعلى المعافاة من الأمر المختبر به، منتظر لاختبار الله له ما شاء مما حكم له بخيرته في دنياه أو كريم مجازاته في أخراه.
          والكافر كالأرزة صماء معتدلة لا يتفقده الله باختبار، بل يعافيه في دنياه وييسر عليه في أموره ليعسر عليه في معاده حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه قصمة الأرزة الصماء فيكون موته أشد عذاباً عليه وأكثر ألماً في خروج نفسه من ألم النفس المبتلية بالبلاء المأجور عليه.