مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول المريض: إني وجع، أو: وارأساه، أو: اشتد بي الوجع

          ░16▒ باب قول المريض: إني وجع
          وقول أيوب: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:83].
          فيه أحاديث سلفت:
          حديث كعب بن عجرة: ((أيؤذيك هوام رأسك؟)) سلف في الحج.
          وحديث القاسم قال: قالت عائشة: وارأساه.. سلف أيضاً.
          وحديث ابن مسعود في الوعك سلف قريباً.
          وحديث عامر بن سعد، عن أبيه، جاءني رسول الله [يعودني] من وجع اشتد بي سلف قريباً أيضاً في المغازي وفي الهجرة وفي الجنائز.
          اختلف العلماء كما قال الطبري في هذا الباب، فقالت طائفة: لا أحد من ابن آدم إلا وهو يألم من الوجع ويشتكي المرض؛ لأن نفوس بني آدم تنيب على الجزع من ذلك والألم فغير قادر أحد على تغيرها عما خلقها عليه بارئها، ولا كلف أحد أن يكون بخلاف الجبلة التي جبل عليها.
          وإنما كلف العبد في حال المصيبة أن لا يفعل ما له إلى ترك فعله سبيل، وذلك ترك البكاء على الرزية والتأوه من المرض والنكبة.
          فمن تأوه من مرضه أو بكا من مصيبة تحدث عليه أو فعل نظير الشيء من ذلك، فقد خرج من معنى أهل الصبر ودخل في معاني أهل الجزع، وممن روى ذلك عنه مجاهد وطاوس، قال مجاهد: يكتب على المريض كل ما تكلم به حتى الأنين.
          قال ليث: قلت لطلحة بن مصرف: / إن طاوس كره الأنين في المرض، فما سمع لطلحة أنين حتى مات. واعتلوا لقولهم بإجماع الجميع على كراهة شكوى العبد ربه على ضر ينزل به أو شدة تحدث به، وشكواه ذلك إنما هو ذكره للناس ما امتحنه به ربه تعالى على وجه الضجر، قالوا: فالمتأوه: المتوجع في معنى ذاكره للناس متضجراً به وأكثر منه، وقال أخرون ليس الذي قال: هؤلاء، بشيء.
          وقالوا: إنما الشاكي ربه من أخبر عما أصابه من الضر والبلاء متسخطاً قضاء الله فيه، فأما من أخبر به إخوانه ليدعو له بالشفاء والعافية وأن استراحته إلى الأنين والتأوه فليس ذلك بشاك ربه، وقد شكا الألم والوجع المؤذي رسول الله وأصحابه، وجماعة من القدوة ممن ذكرهم (خ) في هذا الباب وغيرهم.
          وأيضاً، فإن الأنين من ألم العلة والتأوه وقد يغلبان الإنسان ولا يطيق كفهما عنه، ولا يجوز إضافة مؤاخذة العبد به إلى الله؛ لأنه تعالى قد أخبر أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس في وسع ابن آدم ترك الاستراحة إلى الأنين عند الوجع يشتد به والألم ينزل به فيؤمر به أو ينهى عن خلافه.
          وقول أيوب ◙: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:83] ليس مما يشاكل تبويبه؛ لأن أيوب إنما قال ذلك داعياً ولم يذكره للمخلوقين.
          والمراد بالهوام هنا القمل؛ لأنها تهيم في الرأس أي: تدب، وأما هوام الأرض، فقال الجوهري والهروي: إنها الأحناش وكل ذي سم يقتل.
          قال الهروي: فأما ما لا يقتل ويسم فهي السوام مثل العقرب والزنبور، وقال ابن فارس: هي حشرات الأرض.
          قوله في حديث عائشة: ((أو يتمنى المتمنون)).
          قال ابن التين: ضبط في غير كتاب بفتح النون، وإنما هو بضمها أصله: المتمنيون على زنة المتطهرون.
          فاستثقلت الضمة على التاء فحذفت، فاجتمع ساكنان التاء والواو فحذفت التاء لذلك وضمت النون لأجل الواو؛ إذ لا يصح واو قبلها كسرة.
          قال النووي: قوله ◙ لعائشة: ((إني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل: أنا أولى)).
          وفي نسخة ((أنا ولا ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) كذا في بعض النسخ المعتمدة: أنا ولا، بتخفيف أنا ولا، أي يقول: أنا أحق، وليس كما يقول: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).
          وفي بعضها: أنا أولى، أي: أنا أحق بالخلافة، قال عياض: هذه أجودها.
          ورواه بعضهم: أنا ولي بتخفيف النون وكسر اللام، أي: أنا أحق بالخلافة لي.
          ورواه بعضهم: أنا ولا، أي: أنا الذي ولاه رسول الله.
          وبعضهم رواه: أنى ولاه، بتشديد النون أي: كيف ولاه. وفي الحديث دلالة ظاهرة على فضل الصديق وإخبار منه عما سيقع في المستقبل بعد وفاته، وأن المسلمين يأبون عقداً لغيره، وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع، وقد وقع ذلك.
          وأما طلبه لأخيها مع أبيه فالمراد أنه يكتب الكتاب.
          وفي رواية: ((لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه وأعهد)).
          ورواه بعضهم: أو آتيه، بألف ممدودة بعدها مثناة فوق ثم من تحت من الإتيان. وصوبه بعضهم كما قال عياض قال: وليس كما صوب / بل الصواب بالموحدة والنون يوضحه ما في (م): أخاك؛ ولأن إتيانه ◙ كان متعذراً؛ لأنه عجز عن حضور الجماعة.
          قال القرطبي: القادح في خلافة الصديق مقطوع بخطئه وفسقه، وهل يكفر أم [لا]؟ لا سيما وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك من غير مخالف.
          والراوي عن ابن مسعود: الحارث بن سويد وهو أبو عائشة التيمي، تيم الرباب كما في تلميذه إبراهيم التيمي.
          قوله: (زمن حجة الوداع) سلف غير مرة أنه كذا في ((الموطأ))، وأن سفيان قال: كان ذلك يوم الفتح، والصواب الأول.
          قوله: (أفأتصدق بثلثي مالي) احتج به أهل الظاهر على أن من أوصى بأكثر من ثلثه لا يجوز، وإن أجازه الورثة، قالوا: ولم يقل: إن أجازه ورثتك جاز.
          وهذا لا دليل فيه؛ لأنه ◙ لم يتكلم على إجازة الورثة، وإنما يتكلم على ما يفعله الموصي ولا يفتقر إلى غيره فيه.
          قوله: (والثلث كثير) قال به إسحاق، وقال جماعة: الخمس: ومنهم من استحب أقل من الثلث.
          قوله: (إن تذر ورثتك أغنياء..) الحديث.
          احتج به لابن مسعود وإسحاق في قولهما أنه إذا لم يترك وارثاً يجوز له أن يوصي بجميع ماله، والفقهاء على خلافه.
          قيل: وذلك إن كان بيت المال بيد عدل.
          وذكر عن الشيخ أبي القاسم السودي أنه أوصى بجميع تركته لعلماء القيروان سوى ميراث زوجته لما كانت القيروان بيد العرب، وجعل القاضي حكم بذلك في حياته، وأفتى المتأخرون من الشافعية أنه إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فضل عن فروضهم بالنسبة فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام.
          والعالة: الفقراء، ففيه فضل الكفاف على الفقر، ومعنى: (يتكففون): يمدون أيديهم ليسألوا الناس.
          وفيه أن يد المتصدق أفضل من يد المتصدق عليه.
          قوله: (لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله) فيه أن روح العمل النية، وأنه تعالى لا يثيب إلا بما قصد به وجهه.
          قوله: (حتى ما تجعل في فيّ امرأتك) فيه دلالة على وجوب نفقة الزوجة.
          قال والدي ⌂:
          (باب عيادة المريض).
          قوله: (يحيى بن بكير) مصغر: البكر و(عقيل) بضم العين و(القطيفة) الدثار المهذب و(فدك) بفتح الفاء والمهملة قرية بخيبر.
          فإن قلت: قال النحاة: لا تتعدد صلاة الفعل بحرف واحد؟ قلت: الثالث بدل عن الثاني وهو عن الأول فهما في حكم الطرح.
          و(سعد بن عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة سيد الخزرج و(عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وتخفيف الموحدة وتشديد التحتانية و(سلول) بفتح المهملة وضم اللام اسم أم عبد الله فلا بد أن يقرأ ابن سلول بالرفع لأنه صفة لعبد الله لا صفة أبي واليهود ويحتمل عطفه على المشركين وعلى عبدة الأوثان لأنهم أيضاً مشركون حيث قالوا عزير ابن الله و(عبد الله بن رواحة) بفتح الراء وخفة الواو وبالمهملة الأنصاري الحارثي و(العجاجة) بفتح المهملة وتخفيف الجيم الأولى الغبار و(خمر) أي غطى و(لا أحسن) بلفظ فعل المضارع وما تقوله مفعول وبلفظ أفعل التفضيل وبزيادة من على ما تقول نحو لا خيراً من زيد قال التيمي أي ليس أحسن مما تقول أي أن ما تقول حسن / جدا قال ذلك استهزاء.
          قوله: (إن كان حقا) يصح تعلقه بما قبله وبما بعده و(الرجل) مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث و(يتثاورون) يتواثبون ويتهايجون غضباً و(سكتوا) بالفوقانية وبالنون روايتان.
          و(أبو حباب) بضم المهملة وخفة الموحدة الأولى كنية ابن أبي و(البحرة) البلدة يقال هذه بحرتنا؛ أي: بلدتنا و(يتوجوه) أي يجعلوا التاج على رأسه وهو كناية عن الملك أي: يجعلونه ملكاً ويشدون عصابة السيادة على رأسه، وهذا يحتمل أن يكون على سبيل الحقيقة وعلى المجاز و(شرق) أي: غص به، والشرق الشجا والغصة.
          قوله: (عمرو بن عباس) بالمهملتين وشدة الموحدة بينهما و(البرذون) بالموحدة وفتح المعجمة الدابة لغة لكن العرب خصصه بنوع من الخيل.
          قوله: (وارأساه) هو تفجع على الرأس من شدة صداعه و(ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبإهمال الحاء عبد الله المكي و(كعب بن عجرة) بضم المهملة وإسكان الجيم وبالراء حليف الأنصار و(الفداء) هو الذي قال الله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} الآية [البقرة:196]، وإنما أمره بالفداء؛ لأنه حلق وهو محرم مر في الحج.
          قوله: (ذاك) أي: موتك والسياق يدل عليه (واثكلياه) مندوب إما للمصدر واللام مكسورة وإما للثكلى صفة فاللام مفتوحة والثكل فقدان المرأة ولدها وهذا لا يراد به حقيقته بل هو كلام كان يجري على لسانهم عند إصابة مصيبة أو خوف مكروه ونحو ذلك و(ظللت) بكسر اللام و(معرسا) من أعرس بأهله إذا بنى بها وكذلك إذا غشيها وفي بعضها معرساً من التعريس.
          قوله: (بل أنا وارأساه) أي: أضرب أنا عن حكاية وجع رأسك وأسبقك بوجع رأسي إذ لا بأس لك وأنت تعيشين بعدي. عرف صلعم ذلك بالوحي.
          قوله: (أعهد) أي: أوصى بالخلافة له، يقال: عهدت إليه أي أوصيته.
          فإن قلت: ما فائدة ذكر الابن إذ لم يكن له في الخلافة دخل؟ قلت: المقام مقام استمالة قلب عائشة يعني: كما أن الأمر مفوض إلى والدك، كذلك الائتمار في ذلك بحضور أخيك فأقاربك هم أهل أمري وأهل مشورتي أو لما أراد تفويض الأمر إليه بحضورها أراد إحضار بعض محارمه حتى لو احتاج إلى رسالة إلى أحد أو قضاء حاجة لتصدى لذلك.
          قوله: (أن يقول) أي: كراهة أن يقول قائل الخلافة لي أو لفلان أو مخافة أن يتمنى أحد ذلك أي أعينه قطعاً للنزاع (ثم قلت يأبى الله) لغير أبي بكر (ويدفع المؤمنون غيره) أو بالعكس شك الراوي فيه، قال التيمي في التحبير: قالت عائشة وارأساه وتشكت من وجع رأسها وخافت الموت على نفسها وعلم صلعم أنها تعيش بعده فقال ((لو كان وأنا حي أستغفر لك)) ثم قال أنا وارأساه أي لا بأس عليك مما تخافين إنك لا تموتين في هذه الأيام لكن أنا أموت فيها.
          وفيه أن من اشتكى عضواً جاز أن يتأوه منه، وجواز المزاح لأنه علم أن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر وإنما قال ذلك على طريق المداعبة.
          وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية لأنه قد يسكت الإنسان ويكون شاكياً ويذكر وجعه ويكون راضياً فالمعول على النية [لا] على الذكر.
          و(قال فاعهد) أي فأوص لكراهة الأقوال أي: اكتب عهد الخلافة لأبي بكر فأراد الله أن لا يكتب ليؤجر المسلمون في الاجتهاد في بابه / ، والسعي في أمره، والاتفاق على بيعته. قال ابن بطال قال بعضهم: يكتب على المريض أنينه، وما سمع لطلحة أنين حتى مات، وقالوا بكراهة شكوى العبد ربه على ضر نزل به، وذلك بأن يذكر للناس ما امتحنه الله على الضجر به.
          و(المتوجع) المتأوه في معنى ذكره للناس متضجراً به، وقال الآخرون: الشاكي هو من أخبر عما أصابه متسخطاً بقضاء الله فيه لا من أخبر به إخوانه ليدعوا له بالعافية ولا من استراح إلى الأنين وقد شكى النبي صلعم وأصحابه الوجع، وأيضاً فإن الأنين قد يغلب الإنسان بحيث لا يطيق يتركه ولا يكون في وسعه ترك الاستراحة بالأنين فلا يؤمر ولا ينهى به.
          قوله: (عبد العزيز بن مسلم) بفاعل الإسلام و(سمعته) أي: سمعت أنينه، وفي بعضها: مسسته، والأول أوفق للترجمة، والثاني: لسائر الروايات السابقة.
          قوله: (عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) بالمفتوحتين و(أن تذر) بفتح الهمزة هو المشهور و(عالة) أي: فقراء و(يتكفف) أي: يمد كفه يسأل الناس و(أجرت) بضم الهمزة مر مراراً.
          الزركشي:
          (الإكاف) ما يجعل على الحمار، وهو البرذعة.
          و(القطيفة) دثار.
          (فدكية) بتحريك الدال نسبة إلى فدك قرية من خيبر، ويروى: يركبه من الركوب، وهو تصحيف، وسبق في المغازي.
          (معرسا) بإسكان العين من أعرس بأهله: بنى بها، وروي: ((معرسا)) بالتشديد من عرس، وفيه نظر من جهة اللغة.