مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب تمني المريض الموت

          ░19▒ باب تمني المريض الموت
          فيه أحاديث:
          1- حديث أنس مرفوعاً: ((لا يتمنين أحدكم الموت من ضر)) الحديث، وأخرجه (م) في الدعوات.
          2- حديث قيس بن أبي حازم، عن خباب، لولا أن النبي صلعم نهانا الحديث، ويأتي في الدعوات والرقاق، وأخرجه (م) (ن) (ت).
          3- حديث سمعت رسول الله صلعم يقول: ((لن يدخل أحداً عمله الجنة)) الحديث.
          4- حديث عائشة سمعت النبي صلعم وهو مسند إلى الحديث.
          وفي الباب أيضاً عن جابر وأم الفضل، أخرج الأول: ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن كثير بن زيد، عن سلمة بن أبي زيد عنه مرفوعاً: ((لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد وإن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة)).
          وأخرج الثاني: بقي بن مخلد، بسنده عنها: أنه ◙ قال للعباس: ((يا عم رسول الله لا تمن الموت، فإنك إن كنت محسناً فإن تؤخر تزدد إحساناً إلى إحسانك، وإن كنت مسيئاً فإن تؤخر تستعتب خيراً لك)).
          وروى (ت) من حديث أبي بكر أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله))، قال: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله))، ثم قال: حديث حسن صحيح.
          وأما حكم الباب: فنهى ◙ أمته عن تمني الموت عند نزول البلاء بهم وأمرهم أن يدعوا بالموت ما كان الموت خيراً لهم.
          وقد سلف في حديث أبي هريرة معللاً، قيل: إنه منسوخ.
          يقول يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف:101] ويقول سليمان: {وَأَدْخِلْنِي [بِرَحْمَتِكَ] فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19].
          وبحديث الباب: ((وألحقني بالرفيق..)) قالوا: ودعا عمر بالموت، وعمر بن عبد العزيز وليس كذلك؛ لأن هؤلاء، إنما سألوا ما قارن الموت، فالمراد / بذلك ألحقنا بدرجاتهم، قلت: ولعل المراد إذا توفيتني فافعل ذلك، فهو دعاء لا تمن.
          وكذا قوله: (ألحقني بالرفيق)، لأنه أخبر أن الأنبياء تخير، وقال: ذلك عند التخيير.
          وتحقق الوفاة في يومه؛ بمجيء الملائكة المبشرين له بلقاء ربه، وبما أعد له.
          فإن قلت: الحديث جاء بلفظ (لعل) وهي موضوعة لغير التحقيق؟ قلت: هي في كلام الشارع كلفظ الباري تعالى، ثم إن في (م) بلفظ إن التي هي موضوعة للتحقيق فزال ما توهم، وتمني عمر في إسناده علي بن زيد وهو ضعيف.
          وتمناه علي أيضاً، أخرجه معمر أيضاً، وحملهما الطبري على أنهما خشيا المصاب في الدين.
          وحديث الشارع على المصاب في الدنيا.
          ومراد خباب البنيان الذي لا يحتاج إليه وبه صرح ابن بطال.
          قال: ومعنى الحديث: أن من بنى ما يكفيه ولا غنى به عنه، فلا يدخل في معنى الحديث بل هو مما يؤجر فيه، وإنما أراد خباب من بنا ما يفضل عنه ولا يضطر إليه، فذلك هو الذي لا يؤجر عليه؛ لأنه من التكاثر الملهي لأهله. وسيأتي في الاستئذان في باب: البناء.
          وكذا قال ابن التين: المراد من يجاوز الكفاية وقصد المباهاة وغيره.
          قوله: (وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب) قال الداودي: يعني الموت إشفاقاً أن ينقص ما ناله من الدنيا حسناتهم، وليس ببين كما قاله ابن التين، بل هو عبارة عن كثر ما أصابوا من الدنيا.
          قوله: (إلا أن يتغمدني الله برحمته) أي: يغمرني بها ويلبسني ويغشيني.
          قال أبو عبيد: ولا أحسبه إلا أخذ من غمد السيف، فإنك إذا أغمدته فقد ألبسته الغمد.
          قوله: (فسددوا) أي: استقيموا والزموا الصواب.
          فإن قلت: كيف الجمع بين قوله: ((لن يدخل أحداً عمله الجنة)) وبين قوله: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]؟ قلت: من أوجه ذكرها ابن الجوزي.
          1- لولا رحمة الله السابقة التي كتب بها الإيمان في القلوب ووفق للطاعات ما نجا أحد ولا وقع عمل تحصل به النجاة، والتوفيق للعمل من رحمة الله أيضاً.
          2- أن منافع العبد لسيد فعمله مستحق لمولاه، فإن أنعم عليه بالجزاء فمن فضله، كالمكاتب مع المولى.
          3- روي في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة بالرحمة واقتسام الدرجات بالأعمال.
          4- أن عمل الطاعات كما ثبت في زمن يسير وثوابها لا يبيد أبداً. فالمقام الذي لا ينفد في جزاء ما نفد بفضل الله لا بمقابلة الأعمال وهذا نص كما قال القرطبي في الرد على أهل البدع والمعتزلة في قولهم في قاعدة التحسين والتقبيح.
          وسيأتي في كتاب الرقاق تمام هذا البحث.
          قوله: فلعله أن يستعتب أي لعله أن يرجع عن الإساءة إلى الإحسان ويطلب الرضى.
          يقال: استعتبته فأعتبني أي: عاد إلى مسرتي، وكذلك استرضيته فأرضاني.
          وقال الخليل: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة، ومنه قوله تعالى: {وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:24]، وأعتب واستعتب بمعنى. وقيل: ويبقى الود ما بقي العتاب.