مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يقال للمريض وما يجيب

          ░14▒ باب ما يقال للمريض، وما يجيب
          فيه حديث عبد الله الذي فرغنا منه آنفاً، وحديث ابن عباس السالف في عيادة الأعراب.
          وفيه: كما قال المهلب: إن من السنة أن يخاطب العليل بما يسليه من ألمه ويغبطه بأسقامه بتذكيره بالكفارة لذنوبه وتطهيره من آثاره ويطمعه من الإقالة، كقوله: لا بأس عليك مما تجده بل يكفر الله به ذنوبك ثم يفرج عنك فيجمع لك الأجر والعافية لئلا يسخط أقدار الله واختياره له وتفقده إياه بأسباب الرحمة.
          قوله لابن مسعود: (أجل) فيه: أنه ينبغي للمريض أن يحسن جواب زائره، ويتقبل ما بعده من ثواب مرضه، ومن إقالته، ولا يرد عليه بمثل ما رد الأعرابي على رسول الله، وسيأتي في الاعتصام وفي حديث ابن عباس: ثنا إسحاق هو ابن شاهين الواسطي.
          قال والدي ⌂:
          (باب عيادة النساء).
          قوله: (أم الدرداء) بالمد، اعلم أن لأبي الدرداء زوجتين كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء والكبرى صحابية، والصغرى تابعية، والظاهر أن المراد هنا هي الكبرىن واسمها: خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية، واسم الصغرى: هجيمة مصغر الهجمة بالجيم.
          و(المسجد) أي: مسجد رسول الله صلعم و(وعك) بلفظ المجهول؛ أي: حم أو تألم من الحمى و(يا أبه) بالتاء وبالهاء روايتان وضمير الفاعل والمفعول في (تجدك) عبارتان عن شيء واحد وهو من خصائص أفعال القلوب.
          فإن قلت: كيف جاز لها الدخول على بلال؟ قلت: إما أنه قبل [آية الحجاب] أو من ورائه أو قبل إدراك عائشة أو لحاجة المعالجة.
          قوله: (مصبح) بفتح الموحدة أي: مقول له أنعم صباحاً و(أدنى) أي: أقرب و(الشراك) بالكسر، أحد سيور النعل التي تكون على وجهها و(أقلعت) بفتح الهمزة يقال: أقلع المطر والحمى إذا انجلى ويريد (بواد) وادي مكة و(الإذخر) نبات مشهور و(الجليل) بفتح الجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت و(المجنة) بفتح الميم والجيم وشدة النون اسم موضع على أميال من مكة وكان سوقاً في الجاهلية و(يبدون) بنون التوكيد الخفيفة أي: هل يظهر و(شامة) بالمعجمة وخفة الميم. وقيل: بالموحدة بدل الميم و(طفيل) بفتح المهملة وكسر الفاء جبلان بمكة.
          قوله: / (الجحفة) بضم الجيم وإسكان المهملة موضع بين مكة والمدينة ميقات أهل الشام، وكان اسمها (مهيعة) بفتح الميم والتحتانية وسكون الهاء وبالمهملة، فأجحف السيل بأهلها فسميت جحفة.
          فإن قلت: كيف يتصور نقل الحمى وهي عرض؟ قلت: جوزه طائفة مع أن معناه أن يقدم من المدينة ويوجد في الجحفة.
          فإن قلت: لم ما دعا بالإعدام مطلقاً؟ قلت: أهلها كانوا يهوداً عدا شديدة الإيذاء للمؤمنين فدعا عليهم إرادة لخير أهل الإسلام.
          والمراد بالمد والصاع ما يوزن بهما وهو الطعام أي: القوت الذي به قوام الإنسان وخصص من بين الأدعية بهذه الأحوال الثلاث؛ لأنها إما للبدن أو للنفس أو للخارج عنهما المحتاج إليهما فالمحبة نفسانية، والصحة بدنية، والطعام خارجي، وهذا قريب مما روى: ((من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه وعنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها))، والله أعلم بصحته.
          قال ابن بطال: فيه الدعاء برفع المرض، والرغبة في العافية، وهذا رد على الصوفية في قولهم: الولي لا تتم له الولاية حتى يرضى بجميع ما نزل به من البلاء ولا يدعو في كشفه.
          قوله: (أبو عثمان) هو عبد الرحمن النهدي بفتح النون وتسكين الهاء وبالمهملة و(سعد) أي: ابن عبادة و(يحسب) أي: يظن الراوي أن أبيا عنه أي لا يجزم بمصاحبة بن كعب في ذلك الوقت ويدل عليه ما سيجيء في كتاب النذور حيث قال: ومع رسول الله صلعم أسامة، وسعد، وأبي أو أبي على الشك بين ابن كعب. وأبي أسامة، وهو زيد بن حارثة، ويحتمل أن يكون معناه ويظن الراوي أنها أرسلت أن ابنتي قد حضرت أي لا يقطع بالبنت لما تقدم في كتاب الجنائز في باب قول النبي صلعم: يعذب الميت. أنها أرسلت أن ابناً لي قبض. قال ابن بطال: وهذا الحديث لم يضبطه الراوي فمرة قال إن ابنتي قد حضرت، ومرة قال فرفع الصبي فأخبر مرة عن صبية وأخرى عن صبي.
          وفيه أن عيادة الطفل صلة لآبائه وموعظة لهم وتصبيرهم على ما نزل بهم.
          قوله: (حضرت) بلفظ المجهول؛ أي: حضرتها الوفاة و(لتحتسب) أي: لتطلب الأجر من عند الله ولتجعل الولد في حسابه لله تعالى راضية بقضائه و(الحجر) بفتح الحاء وكسرها و(النفس) بسكون الفاء و(تقعقع) أي تضطرب وتتحرك كأن لها صوتا. وقال سعد: ما هذا لأنه استغرب ذلك منه لأنه يخالف ما عهده منه من مقاومة المصيبة بالصبر. فقال: أنها أثر رحمة جعلها الله تعالى في قلوب الرحماء وليس من باب الجزع وقلة الصبر.
          قوله: (الأعراب) وهم سكان البادية من جبل العرب و(معلى) بلفظ مفعول التعلية بالمهملة (ابن أسد) أخو الليث و(عبد العزيز بن مختار) ضد المكره الأنصاري و(طهور) أي الذنوب و(تفور) أي تغلي ويظهر حرها ووهجها وشك الراوي في الفاء والمثلثة و(تزيره) من أزاره إذا حمله على الزيارة؛ أي: يبعثه إلى المقبرة و(فنعم) الفاء فيه مرتبة على محذوف و(إذن) جواب وجزاء أي إذا أبيت كان كما زعمت أو إذا كان ظنك كذا فسيكون كذلك مر الحديث في علامات النبوة.
          وفيه أنه لا نقص على العالم في عيادة الجاهل. وروي أنه مات الأعرابي بعد ذلك.
          قوله: (ثابت) ضد الزائل (البناني) بضم الموحدة وخفة النون الأولى و(أسلم) أي الغلام فطوبى له وتبا لساداته قال الشاعر / :
كفرت يهود وأسلمت جيرانها                     جماً لما فعلت يهود صمام
          يقال: للداهية صمي صمام مثل قطام أي: زيدي يا داهية لفعلهم قالوا: إنما يعاد المشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجى إجابته إليه، فأما إذا لم يطمع في إسلامه فلا يعاد.
          قوله: (حضر) بلفظ المجهول و(أبو طالب) اسمه عبد مناف عم رسول الله صلعم.
          قوله: (محمد بن المثنى) ضد المفرد و(ليؤتم) بكسر اللام وبفتحها و(الحميدي) مصغر: الحمد منسوباً هو عبد الله و(قيام) هو جمع: قائم، أو مصدر بمعنى قائمين.
          قوله: (المكي) بفتح الميم وشدة الكاف و(الجعيد) مصغر الجعد بالجيم والمهملتين ابن عبد الرحمن الكندي، ويقال الجعد مكبراً و(عائشة) هي بنت سعد ابن أبي وقاص و(الشكوى) مصدر بمعنى المرض وهو بدون التنوين، وفي بعضها بالتنوين و(شديدة) في بعضها شديداً بدون التاء و(كثير) بالموحدة والمثلثة وإنما دعي له بإتمام الهجرة؛ لأنه كان مريضاً وكره أن يموت في موضع [هاجر] منه فاستجاب الله دعاء رسوله فيه فشفاه ومات بعد ذلك بالمدينة.
          قوله: (برده) الضمير عائد إلى المسح أو إلى اليد باعتبار العضو و(يخال) أي يتخيل ويتصور. وفي وضع اليد على المريض تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعو له العائد على حسب ما يبدو له منه، وربما ينتفع به العليل إذا كان عائده صالحاً يتبرك بيده.
          قوله: (أدنى مرض فما سواه) أي: أقل مرض فما فوقه. وفي بعضها أذنى بإعجام الذال و(مرض) بيان له (فما سواه) أي غيره و(حانت) فاعله الحمى التي يدل عليها لفظ الأذى و(تحات) بلفظ مجهول المحاتة وبمعروف مضارع التحات أي التناثر.
          قوله (إسحاق) وهو ابن شاهين الواسطي و(خالد) الأول هو الطحان، والثاني هو الحداد و(إزارة القبور) كناية عن البعث إلى المقبرة والموت ومر مراراً.
          وفيه أن السنة أن تخاطب العليل بما يسليه من ألمه ويذكره بالكفارة.
          الزركشي:
          شعر الصديق وبلال سبق في الحج.
          (قد حضرت) أي: حان موتها، وسبق في الجنائز.
          (تزيره القبور) أي: تحمله إلى المقبرة، أي: لا ينجو من هذا المرض.
          (فنعم إذا) أي: فإذا كان ظنك فكذا يكون، يحتمل أن يكون دعاء عليه، أو أخبر بذلك.
          (شكوى شديدة) هي بالقصر، والشكوى المرض.
          قوله: (وأتم له هجرته) أي: لا تمته بالموضع الذي هاجر منه وتركه لله.
          (فيما يخال إلي) قال السفاقسي: صوابه: ((فيما يخيل إلي)) من التخييل والوهم، قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ} [طه:66]، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (فلتحتسب) الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدة، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وخشي الله؛ احتسبه لأن له حينئذ أن يعقد عليه فجعل في حال مباشرته العمل كأنه معتد به، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد، والاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر واستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه الموسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها.
          قوله: (شكوى) قال عياض: هو مقصور والشكو المرض يقال شكا يشكو شكايةً وشكواً قال أبو علي: والتنوين روي قول / تمني المريض الموت يجوز تمني الموت لخوف ذهاب الدين، ومنه قول مريم: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم:23] قالوا تمنت لأنها خافت أن يظن بها السوء في دينها.
          أقول: الخوف من فتنة الدين أن يقع في أمر يذهب دينه أو ينقص لا أن يتهم في دينه بأمر على سبيل الظن من الناس، بل مثل هذا يحصل به للمتهم أجر وثواب بذلك، فيما قالوه نظر فليتأمل.