الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا هدم حائطًا فليبن مثله

          ░35▒ (باب إِذَا هَدَمَ) بفتحَاتٍ؛ أي: شَخصٌ (حَائِطاً) أي: لغيرِهِ، وهو بالحاءِ والطَّاء المهملتينِ هنا: الجدَارُ، يقالُ في ((القاموس)): الحَائِطُ الجدَارُ، والجَمعُ: حيطَانٌ وحِيَاطٌ، والقيَاسُ: حُوطَانٌ، انتهى.
          وقولُهُ: (فَلْيَبْنِ مِثْلَهُ) جوَابُ: ((إذا)) أي: فيَلزَمُهُ أن يَبنِي مثلَ الحَائطِ الَّذِي هدمَهُ، قال في ((الفتح)): خِلافاً لمن قالَ تلزمُهُ القيمَةُ منَ المالكيَّةِ وغيرِهِم، انتهى.
          وقالَ في ((التوضيح)): وإلى تبوِيبِ البُخاريِّ عن الشَّافعيِّ وأبو حنيفَةَ وأبُو ثورٍ فقالُوا: إذَا هدمَ رجُلٌ لآخَرَ حائطاً فإنَّهُ يبنِي له مثلَهُ، فإن تعذَّرتِ المماثلَةُ رجعَ إلى القيمَةِ، قالَ: واقتَضَى بحثُ المتأَخِّرينَ من الشَّافعيَّةِ أنَّ الجدَارَ متقوِّمٌ وأنَّهُ يضمَنُ بالمثلِ، ونقلَهُ النَّوويُّ في ((فتاويه)) عن النَّصِّ قالَ: واختَلفَ قولُ مالِكٍ في ذلكَ، وإلَّا شبَّهَ بالحديثِ الإعَادَةَ، انتهى.
          وأقُولُ: المصرَّحُ به في كتُبِ الفقهِ للشَّافعيَّةِ أنَّ الجدَارَ وغيرَهُ من سائرِ المتقوَّمَاتِ إذا أتلَفَ يضمَنُ بقيمَتِهِ لا بمثلِهِ، ولذَا قالَ شيخُ الإسلامِ: هنا قولُ البُخاريِّ: فَلْيَبْنِ مثلَهُ، محمُولٌ على ما إذا ترَاضَيَا على ذلكَ، قالَ: وإلَّا فعليهِ القيمَةُ؛ لأنَّ الحائطَ متقوِّمٌ لا مثلِي، انتهى.
          وأقولُ: لعَلَّ القائلِينَ بأنَّه يضمَنُ بمثلِهِ أرادُوا المثلَ في الصُّورةِ، كمَا في القَرضِ فلا يظهَرُ التَّعلِيلُ بكونِ الحائطِ متقوَّماً لا مثلِيًّا، فافهَمْ.
          ونقَلَ العينِيُّ أنَّ مذهَبَ أبي حنيفَةَ والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ في هذِهِ المسألَةِ كمذهَبِ البُخاريِّ من أنَّه يضمَنُ بمثلِهِ لا بقيمتِهِ، ونقَلَ أنَّ في ((الفتاوى الظهرية)) عن محمَّدِ بنِ الفضلِ أنَّ الحائطَ المذكُورَ إن كانَ من خشَبٍ فيُضمَنُ بالقيمَةِ، وإن كانَ من طينٍ وكانَ عتِيقاً فكذلِكَ، وإن كانَ حدِيداً أمرَ بإعادَتهِ، انتهى فاعرفْهُ.