الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه

           ░18▒ (باب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ) أي: جوازُ اقتصَاصِ المظلُومِ ممن ظلمَهُ بأخذِ مالِهِ (إِذَا وَجَدَ) أي: المظلُومُ (مَالَ ظَالِمِهِ) أي: وإن لم يكُنْ من جنسِ مالِهِ؛ أي: فلهُ أن يأخُذَ منه بقدرِ حقِّه إذا لم يمكِنهُ أخذُهُ منه ولو بواسِطَةٍ، نحو حاكِمٍ، وهذه مسألَةُ الظَّفرِ وفيها خِلافٌ بين الأئمَّةِ وتفصيلٌ سيَأتِي بيانُهُ آخرَ البَابِ.
          وفي قولهِ: ((إذا وجَدَ مالَ ظالمهِ)) إشَارةٌ إلى أنَّ العُقُوباتِ البَدنيَّةَ لا يُقتصُّ منها لنفسِهِ وإن أمكنَهُ ذلك، بل لا بُدَّ من الرَّفعِ إلى الحاكِمِ ليقتَصَّ له لكَثرَةِ غوَائلِها.
          (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ) أي: محمَّدٌ (يُقَاصُّهُ) بتشديدِ الصَّادِ المهملةِ، وأصلهُ: يقاصِصُهُ بفَكِّ الإدغَامِ (وَقَرَأَ) أي: ابن سِيرينَ مستَدلًّا لقولِهِ بقولِهِ تعالى: ({وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]) هذهِ الآيَةُ شامِلةٌ للأَموَالِ وغيرِهِا، بل قيلَ: أصلُ ورُودِهَا في غيرِ الأَموَالِ لما في البيضاويِّ وغيره مما قِيلَ أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام لما رأى حمزَةَ وقد مُثِّل به حين قُتِل في وقعَةِ أحدٍ قال: ((واللهِ لئِنْ أظفَرَني اللهُ بهِم لأمثُلنَّ بسَبعينَ مكانَكَ)) فنزَلَتْ فكفَّرَ عن يمِينهِ، انتهى.
          وأثرُ ابن سِيرينَ هذا قالَ به الحسنُ البصرِيُّ، وقد وصَلهُ عبدُ بن حُميدٍ في ((تفسيرهِ)) من طرِيقِ خالدٍ الحذَّاءَ عنهُ بلَفظِ: إن أخذَ أحدٌ مِنكَ شيئاً فخُذْ مثلَهُ.