الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}

          ░2▒ (باب قَوْلِ اللَّهِ) أي: في سورةِ هُودٍ حكايةً عن الملائكةِ أو غيرِهم، المرادون من الأشهادِ في: ({أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}) في قولِه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18]، فافتراؤهُم على اللهِ الكذِبَ؛ كأن نسَبُوا إليه ما لم يُنزِلْه، أو نفَوا عنه ما أنزَلَه، أو زعمُوا له شريكاً تعالى عن ذلك علوًّا كبيراً، و{يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِم} أي: في الموقفِ بأنْ يُحاسبَهم، أو تُعرضُ أعمالُهم عليه.
          و{الأَشْهَادُ}: الملائكةُ، أو الرُّسلُ، أو النبيُّون، أو جَوارِحُهم، وقيل: أمَّةُ محمَّدٍ صلعم، يشهَدونَ على الناسِ، قال تعالى فيهم: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، فيشهَدون على هؤلاء يومَ القيامةِ على رؤوسِ الخلائقِ من الملائكةِ والإنسِ والجنِّ، فيقولُ الأشهادُ المذكورون عن المفتَرينَ على الله الكذِبَ: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِيْنَ}، ولعلَّها بدلُ اشتمالٍ من قولِه: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} ليكونَ مسلَّطاً عليه القولُ، والأقربُ أن تكونَ مستأنَفةً استئنافاً بيانيًّا؛ أي: ما يقالُ فيهم، فالظالمون هم الذين كذَبوا على ربِّهم، لكنه عدَلَ عن الإضمارِ إلى الإظهارِ ليُخبِرَ عنهم بأنَّهم ظالمون أيضاً، وفيه تهويلٌ عظيمٌ مما يُحيقُ بهم يومئذٍ؛ لظُلمِهم بالكذبِ على اللهِ تعالى.
          وقال ابنُ الملقِّن: والمرادُ بالظُّلمِ في الآيةِ: الكفرُ والنِّفاقُ، كما ذُكرَ في الحديثِ، وليس كلُّ ظلمٍ يدخُلُ في معنى الآيةِ ويستحقُّ به اللعنةَ؛ لأنَّه لا تكونُ عقوبةُ الكفرِ كعقوبةِ الذُّنوبِ، واللَّعنُ: الإبعادُ، فدلَّت هذه الآيةُ على أنَّ الكلامَ ليس على العمومِ، وأنَّه يفتقرُ إلى ما يبيِّنُ معناه، قال: وهذا الحديثُ يبيِّن أنَّ قولَه تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] أنَّ السُّؤالَ عن النَّعيمِ الحلالِ إنَّما هو سؤالُ تقريرٍ وتوقيفٍ له على نعمِه التي أنعَمَ بها عليه، ألا ترى أنَّه تعالى يوقِفُه على ذنوبِه التي عصاه بها، ثمَّ يغفِرُها له، وإذا كان ذلك، فسؤالُه عبادَه عن النعيمِ الحلالِ أَولى أن يكونَ سؤالَ تقريرٍ، لا سؤالَ حسابٍ وانتِقامٍ، انتهى.