الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما جاء في السقائف

          ░19▒ (باب مَا جَاءَ) أي: وردَ (فِي السَّقَائِفِ) بفتحِ السِّين المهملةِ والقافِ آخرُهُ فاءٌ، جمعُ: سقيفَةٍ بمعنى: مسقُوفَة.
          قال في ((القاموس)): السَّقِيفَة كسَفِينَة الصِّفَة، ومنهُ: سقِيفَةُ بني سَاعِدةَ، انتهى.
          وقال الشُّرَّاح: واللَّفظُ لشيخِ الإسلام، وهي / المكانُ المظلَّلُ كالصُّفَّة والسَّاباطِ والحوانيتِ بجانِبِ الدَّارِ، قال: وأشَارَ بالتَّرجمةِ وحديثها إلى أنَّ الجلوسَ في الأمكنَةِ المقصُودِ منها عموم النَّفعِ جائزٌ، وأنَّ اتِّخاذَ صاحِبِ الدَّار سابَاطاً أو مستظلًّا جائزٌ إذا لم يضرَّ بالمارَّةِ.
          وقال ابن بطَّالَ: السَّقائفُ والحوانِيتُ قد علم النَّاس لمَ وُضِعتْ، ومن اتَّخذَ فيها مجلِساً فذلك مُباحٌ له إذا التَزمَ ما في ذلك من غضِّ البَصرِ وردِّ السَّلام وهدَايَةِ الضَّالِّ وجمِيعَ شرُوطهِ.
          (وَجَلَسَ النَّبِيُّ صلعم وَأَصْحَابُهُ) أي: بعضُهُم (فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ) بالسِّين والعينِ والدَّالِ المهملاتِ في الأصلِ، من أسمَاءِ الأسَدِ، كما قالَ ابنُ درَيدٍ ثمَّ جعلَ علماً على ساعِدةَ بن كَعبِ بن الخزرَجِ وأُضِيفَتِ السَّقيفةُ لبَنِي ساعِدةَ؛ لأنَّهم كانُوا يجتمِعُون فيها، أو لأنَّهُم اشتَرَكُوا في بنَائهَا، وهذا التَّعليقُ قطعَةٌ من حدِيثٍ وصلَهُ المصنِّفُ كما سيَأتِي في الأَشرِبةِ مطوَّلاً من حدِيثِ سَهلِ بن سَعدٍ ☺، وليسَ هو من كَلامِ البُخَاريِّ من جُملَةِ التَّرجمةِ كما ظَنَّه الإسمَاعِيليُّ فاعترَضَ بأنَّه لا مُطَابقةَ بين التَّرجمةِ والحدِيثِ، انتهى.
          ولعلَّ السَّببَ في ظنِّه ذلكَ أنَّ المصنِّفَ حَذفَ الحدِيثَ المعلَّقَ الَّذي فيهِ أنَّ النَّبيَّ صلعم جلَسَ مع أصحَابهِ في سقِيفَةِ بنِي ساعِدَةَ، فدلَّ على الجوَازِ، وبهِ تحصُلُ المطَابقَةُ للتَّرجمةِ فتدَبَّر.
          واقتصَرَ على الحدِيثِ المروِيِّ عن عُمرَ الموصُولِ الَّذي فيهِ أنَّ الصَّحابةَ جَلسُوا في سقِيفَةِ بَنِي ساعدَةَ وليسَ فيه جُلوسُ النَّبيِّ معهُم فيهَا، قالَهُ في ((الفتح)).
          وقالَ ابنُ الملقِّنِ في ((التوضيح)): وهذا الحدِيثُ ذكرَهُ مسلِمٌ والأَربعَةُ مطوَّلاً ومُختَصَراً، وليسَ فيه جُلُوسهُ عليه السَّلام في السَّقيفَةِ، قال: ونبَّهَ على ذلكَ الإسمَاعِيليُّ أيضاً، انتهَى فتدبَّرهُ.